على خلفية الهجوم على ملهى للشواذ في أورلاندو بولاية فلوريدا الأمريكية الأسبوع الماضي، وصف أحد الصحفيين الأمريكيين في حديث أدلى به لإحدى القنوات الأمريكية الإعلام الأمريكي بـ”الغباء”.. وجاء هذا الوصف القاسي وربما المحق في الوقت نفسه، بعد أن استمر الإعلام الأمريكي في حملته المسعورة ضد الإسلام والمسلمين باعتبار أن منفذ الهجوم الذي قتل فيه وجرح أكثر من مائة شخص، مسلم من أصل أفغاني.
ويقول الصحفي الأمريكي أنه حتى بعد ما تبينت الكثير من الحقائق التي تنفي أي علاقة بين دوافع الهجوم وبين ديانة منفذه مضى الإعلام الأمريكي في تجريم الإسلام والمسلمين تسوقه عقلية القطيع.. الحقائق التي ظهرت لاحقا وأراد ذلك الصحفي الإشارة إليها هي أن منفذ الهجوم ويدعى عمر صديق متين، هو نفسه شاذ وظل يتردد على أندية الشواذ ومسجل لدى أحدها، كما له سجل طبي يشير إلى أنه يعاني من متاعب نفسية.
ورغم كل ذلك حصل متين على ترخيص بحمل السلاح عام 2011 ينتهي عام 2017 كما ذكرت مصادر أمريكية. وتجاهل الإعلام الأمريكي إدانة مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية (كير) لحادث الهجوم، الذي أكد أن الحادث ينتهك مبادئ الإسلام السمحة، وطالب بالتوحد وعدم استغلال الحادث سياسيا.
فالحادث إذن مثله مثل تلك الحوادث الكثيرة المماثلة التي يقوم بها المعتوهون أو متعاطو المخدرات في أمريكا ونسمع بها باستمرار. لكن الإعلام “الغبي” لشيء في نفس يعقوب مضى محاولا الربط بين تلك الجريمة وبين الإسلام والمسلمين. ووجد مرشح الرئاسة الأمريكية الجمهوري دونالد ترامب ضالته في الحدث وحاول الاستثمار فيه ودعم رؤيته المتطرفة ضد المسلمين في الولايات المتحدة.
المشكلة أن هذه العاصفة الإعلامية ضد المسلمين أجبرت السياسيين الذين عرفوا بالاعتدال النسبي تجاه مسلمي أمريكا على الخوض مع الخائضين وركوب الموجة العاتية. وتناسلت تصريحات المسؤولين الأمريكيين ضد دول الخليج من الحزبين الجمهوري والديمقراطي ومن البيت الأبيض وباقي المؤسسات مثل الكونجرس واتهامها بعدم قدرتها على وقف تمويل الإرهاب.
إن تبنى تنظيم الدولة الإسلامية الهجوم لا يعني أنها بالفعل وراء الهجوم بل يأتي ذلك في سياق منهجية إعلامية تهدف إلى وضع الغرب في حالة قلق مزمنة. وكما أنه صحيح أن تكوين الدولة الإسلامية، وتوطيد السلطة بشكل عام، كان عملًا دمويًا دائمًا، لكن الحرب على التنظيم أو ما يعرف بـ”داعش” لا تصيب الهدف مباشرة، إذ أنها لا تستخدم الوسائل الناجعة القادرة على اقتلاع المشكلة من جذورها؛ وأنها أيضا لا تستند إلى صدقية أخلاقية، فهي تجمع تحالفًا من الدول المتناقضة في منطلقاتها ومبرراتها. ومن الصعوبة تحقيق نصر عسكري حاسم على الأقل في الوقت الراهن، فالتركيبة الفكرية المعقدة والمختلة التي تشكّل مرجعية تنظيم الدولة، تؤكد أن تصويب الهدف عبر الأداة العسكرية لا يحقق القضاء على “داعش”.
إن عملية خلط الأوراق هذه تستفيد منها إسرائيل حيث زايد من قبل بنيامين نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل حين قال إن “داعش” تقطع الرؤوس و”حماس” تُطلق النار علينا. وقال في اجتماع للجمعية العامة للأمم المتحدة إن الخطر المتحقق من جماعات الإسلام المتشدد هو ذاته؛ بغض النظر إن كانت “حماس” أو “داعش”. كذلك يستفيد الديكتاتوريون أمثال الرئيس السوري بشار الأسد الذي لم يرع في شعبه إلًّا ولا ذمة وجد فرصة سانحة من قبل ليعرض خدماته على التحالف ضد داعش باعتباره جزءا من الحل.
إن الأمر الأكثر أهمية أن يُنحي الغرب والولايات المتحدة جانبًا نظرية صراع الحضارات للمفكر الأمريكي صامويل هنتنجتون التي لا تصلح لأن تكون أساسًا لحوار وتعايش بين الثقافات والحضارات. وكما هو معلوم فقد ركز هنتنجتون على التحديات التي تواجه الحضارة الغربية خاصة من الحضارتين الإسلامية والصينية. وبعد هجمات (11 سبتمبر 2001) كتب هنتنجتون مقالة شهيرة في عدد مجلة النيوزويك السنوى في ديسمبر 2001 بعنوان “عصر حروب المسلمين” مؤكدًا أن نظريته قد تحققت، وأن حروب المسلمين ستشكل الملمح الرئيسي للقرن الحادي والعشرين.. الإشكال أن هنتنجتون أغفل القراءة الموضوعية لحقيقة الدين الإسلامي وحضارته. هنتنجتون طالب الغرب بأن “يقوي نفسه داخليًا ويتخلى عن عالمية الديمقراطية”. ويرى أن حروب المسلمين قد احتلت مكانة الحرب الباردة كشكل أساسي للصراع الدولي، وهذه الحروب تتضمن حروب الإرهاب، حروب العصابات والقرصنة، الحروب الأهلية، والصراعات بين الدول، وقد يتخذ هذا العنف وهذه الحروب أبعادا تصل بها إلى صراع رئيسي وحيد بين الإسلام والغرب أو بين الإسلام وباقي العالم، بل الإسلام في رأيه لا يقدم بديلا للحداثة الغربية، وأن الثقافة الإسلامية تفسر إلى حد كبير فشل قيام الديمقراطية في أماكن كثيرة من العالم الإسلامي.