نقترب من الهاوية

يستخدم أحد رجال الأعمال السودانين خبيراً هندياً منذ نحو عقد من الزمان، كان سعر الدولار يومها دون الخمسة جنيهات سودانية، عندما تنبأ الرجل الهندي من خلال قراءة منطقية وواقعية لتقهقرنا الاقتصادي، بأن يبلغ الدولار عشرة جنيهات وسط دهشة واستغراب الجميع يومئذٍ !!
* ليست هذه القصة، ولكن الرجل الهندي ذاته يخرج علينا هذه الأيام برؤية أشد قتامة، وهو يقطع بأن سعر صرف الدولار سيبلغ عشرين ألف جنيه، إن لم تحدث معجزة وانقلابا هائلا في طريقة التعاطي مع الملف الاقتصادي !!
* لتعلم الحكومة أولا ودوائرها ومجالسها الولائية والاتحادية ثانياً، لو صدقت رؤية هذا الخبير الهندي وبلغ الدولار سقف العشرين ألف جنيه، لم يكن بمقدور دولاب الحياة أن يستمر وسيحدث لا محالة اضطراب جماهيري يتجاوز الحكومة ليعصف بتماسك الدولة السودانية !!
* على أن الأزمة الحقيقية – والحديث لمؤسسة الملاذات – تكمن في أن الدولة لم تأخذ أمر الإنتاج بقوة حتى الآن، بل لم يكن هذا الأمر في يوم أولوية وشغل شاغل للأجهزة القومية، وبقراءة عاجلة لخارطة أنشطة وزيارات وفعاليات المسؤولين الكبار في الدولة ستقفون على الاهتمامات التي ليس على صدرها الإنتاج !!
* سيقول قائل إن توصية ورسالة رئاسة الجمهورية للولاة بيت يدي بعثتهم الأخيرة لولاياتهم كانت (الاهتمام بمعاش الناس)!! صحيح، ولكنها مجرد توصية لم تتبع بعمل ميزانيات وبرامج وخطط، ولم تتابع بعمل رئاسي دوري دقيق عما إذا نجح الولاة في استغلال الإمكانيات المتاحة، سيما الحيوانية منها والزراعية والمعدنية !!
* لا أعرف متى تعكف الدولة بكل إمكانياتها الفكرية والمادية واللوجستية الضخمة، على دفع عمل الإنتاج والإنتاجية إن لم يكن في هذا التوقيت الحرج!! ونحن نمشي كل يوم على الهاوية ونقترب من سفح السقوط !!
* أتصور أن الجهات المختصة قد حددت بدقة مكمن الأزمة وتشخيصها، وهي ببساطة أن هنالك ما يقارب الأربعة مليارات دولار عجز بين الصادرات والواردات، وأن المخرج يكمن في عمليات الإحلال والإبدال، تمزيق فواتير الاستيراد واحدة بعد الأخرى، بدءاً من القمح والدقيق مروراً بالألبان المجففة والزيوت وصولاً للأدوية والنفط !!
* وتبقى العلة في إرادة الإنتاج، والإرادة تصنعها الدولة ممثلة في رئاسة الجمهورية، أن ينزل القصر بكل ثقله إلى الرهد والجزيرة والقضارف والنيل الأزرق وكل مظان الإنتاج، أن توقف كل الأنشطة إلا تلك التي تتعلق بالإنتاج، أن توضع إعانات الأصدقاء في أولوياتها، فعجبت، والحال هذه، تخصيص القروض المتاحة لإنشاء سدود إن كتب لها النجاح ستنتج بعد خمس سنوات !! ونحن نكاد اليوم (نبيت القوا)!! بل ماذا فعلنا بمليون فدان وفرها مشروع تعلية خزان الروصيرص، وأخرى خلفها مشروع سد مروي؟ وللحديث بقية.

Exit mobile version