تحويل العاصمة أم تحريك الولايات

لم يكن مقترح نقل العاصمة الخرطوم الذي تفضل به الأستاذ حسين خوجلي، هو الأول من نوعه، بل سبقه إليه آخرون عديدون، نذكر منهم صلاح قوش مدير الأمن السابق الذي مضى أكثر وحدد بديل العاصمة في مدينتي مروي أو كوستي، بل إن الحزب الحاكم نفسه كان قد أوصى قبل نحو عامين في ورقة له منشورة، بنقل العاصمة السياسية من الخرطوم إلى أي مكان آخر من سوبا إلى الدمازين، بجانب العمل على قيام عاصمة تجارية في منطقة قري، ومن المعلوم أن نقل العواصم بحسب التجارب العالمية المعروفة يتم إما بسبب الاكتظاظ السكاني المفرط، أو الهيمنة العالية للعاصمة على باقي مدن البلاد، أو بسبب التهديد العسكري المباشر للعاصمة لسوء موقعها الجغرافي والجيوسياسي، أو من أجل التخفيف من التقاليد القديمة للإدارة العامة، أو لتسوية النزاع بين المدن التي تملك مؤهلات متساوية للحصول على مركز العاصمة، أو لتنمية المناطق التي تنقل إليها العاصمة، ومن بين الأسباب أعلاه يبدو جلياً أن حجة المنادين بنقل العاصمة من موقعها الحالي ومبررهم الأساسي هو الزيادة السكانية المفرطة والقابلة للانفراط يوماً بعد يوم، مع تمدد حدود الولاية حتى حاددت عدداً من الولايات بلا فواصل ولامس عدد سكانها سقف الثمانية ملايين، الأمر الذي شكل ضغطاً رهيباً على المرافق والخدمات المحدودة والعاجزة عن سد حاجة هذا الحجم من السكان، وكل هذا الذي يقوله المنادون بنقل العاصمة صحيح ولا خلاف عليه، ولكن هل بمجرد نقل العاصمة إلى أي جهة أخرى سيقضي بضربة لازب على كل المشاكل التي عانتها الخرطوم…
الرأي عندي كما هو عند آخرين، أن مشكلة العاصمة لن تحل بمجرد نقلها إلى موقع آخر (إن توفرت الإمكانيات)، فمشكلة العاصمة هي في الأساس مشكلة السودان المتمثلة في التنمية غير المتوازنة، ولهذا كان الأوجب أن يتجه التفكير أولاً لوقف مد الهجرة المتصاعد إلى العاصمة بتنمية الولايات وتحريك الريف الذي أصبح طارداً، ليس فيه من سبل كسب العيش والخدمات من صحة وتعليم وغيرها ما يغري بالبقاء فيه، بل فضل أهله على هذا الحال التعيس التكدس في أطراف العاصمة وهوامشها ولسان حالهم يقول (الجابرنا على المر الأمر منه)، وعليه الأسلم بدلاً من التفكير في إنشاء عاصمة جديدة تكلف مليارات الدولارات (إن وجدت)، استثمار هذه الأموال في إحياء موات الأرياف، وإلا فإن العاصمة الجديدة ستشهد هجرات جديدة وتكدساً جديداً، وستعيد إنتاج ذات الأزمات وسيظل الحال محلك سر.. وكأننا يا عاصمة لا رحنا ولا جينا.

Exit mobile version