وقال الشاكي، وهو ممثل المراجع العام، إن المتهمتين اللتين تعملان في معمل حكومي، تقومان باستخدام مواد المعمل، لإجراء فحوصات ذات كلفة عالية وخاصة “وظائف الكلى”، في معمل آخر غير الحكومي. وإنهما لا تقومان بتوريد الأموال لحساب الحكومة، وتحولانها إلى منفعتهما الخاصة..!
ذاك كان مجتزأ من خبر، عن محاكمة موظفتين، تعملان في معمل بإحدى المستشفيات، بتهمة الاختلاس..!
وهو – أيضا – مجتزأ من التردي الذي وصلت إليه هذه البلاد. ليس بمثل هذه التجاوزات الصغيرة، وإنما بسكوت المراجع العام، ومن ورائه أجهزة الدولة الرقابية، على القطط السمان، ممن عبثوا – ويعبثون – بمال هذه البلاد، وينهبون ملياراته المليار تلو المليار..!
المثير للحنق، أن المراجع العام، ومن ورائه أجهزة الدولة الرقابية ايضاً، صامتون حتى عن التجاوزات المُضمّنة في تقاريرهم الرسمية، في حين أنهم عاكفون على محاكمة النساء غير المخزميات، ومنهمكون في ملاحقة صغار الموظفات والموظفين..!
وحليلك..
حليك بتسرق سفنجة وملاية
وغيرك بيسرق خروف السماية
تصدق..
في واحد بيسرق ولاية..
وأصل الحكاية.. (!!!)
اولاً، لابد من إرسال الإدانات مُغلّظة، لكل العابثين بالمال العام، صغُر عبثهم وتقازم، أم كبُر وتعاظم. فهم عندنا سواء، العاكف فيه الناهب له على الدوام، أم الباد الذي يتغشاه حيناً فحين.
وثانياً، لابد من الربت على كتف المراجع العام، وهو يرسل مناديبه إلى تقديم الموظفتين إلى المحاكمة، بعدما ثبت له ضلوعهما في عملية الاختلاس..!
أما ثالثاً، فلابد أن نسأل المراجع العام عن فشله في تقديم أصحاب النفوذ – وزارات كانوا أم أشخاصاً – إلى المحاكمة، بذات الهمّة الوثّابة التي رأيناها في ملاحقة الموظفتين..!
ولعل ذلك ما جعلني، أتخيل – وأنا أقرأ تفاصيل الخبر عاليه – حجم الحماسة التي يتحدث بها الشاكي التابع للمراجع العام أمام المحكمة. بل أوشكتُ أن ارى بأم عيني حجم الهمّة وهو يقول للقاضي: سيدي إن المتهمتين ضالعتان في استخدام محاليل طبية حكومية، في معمل خارجي لا يتبع للحكومة، ولذلك يجب إيقاع اقسى العقوبات في حقهما (!!)
تذكرت كل ذلك، وانشرحت دواخلي. لكنني في الوقت ذاته، أشفقت على المراجع العام وهو يفشل في تقديم نافذين إلى المحاكمة بعدما ثبت ضلوعهم في تبديد المال العام..! وسالت دموعي، تعاطفا وشفقة، ليس على الموظفتين، وإنما على المراجع العام، الذي ظل يخبرنا سنويا عن فشله في جرجرة بعض النافذين والجهات الحكومية إلى المحاكمة..!
يحدث، هذا في حين أن قوائم المتحللين تزداد يومياً، حتى بلغت (25) حالة. ونحن من كنا نظن أن مادة التحلل، قد قُبرت بموت الملازم “غ” في ظروف غامضة، واختفت باختفاء شريكه “ع” في ظروف لا تقل غموضاً (!!)
طبعاً، لا مجال للتحلل بالنسبة لموظفتي المعمل الحكومي، فهو باب حصري لمخارجة المتنفذين وأبنائهم وأصهارهم..!
أتُرى سنجد من يخرج إلينا في أزمنة الزيف هذه ليقول: “والله لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطع محمدٌ يدها”، لنصفق له بمثلما ادمى التصفيق أيدينا لمحاكمة موظفتي المعمل الحكومي..!
صحيفة الصيحة