أن أختلفُ أنا وأنت عن آخرين في الانتماء أوالرأى أوالمعتقدات أوالثقافة، والشكل واللون، والانتماء هل هذه مشكلة؟!.. قطعاً هذه ليس مشكلة، بل المشكلة في الذين يصنعون من هذا الاختلاف مشكلةً.. لم يكن الاختلاف في يوم من الأيام أمراً سيئاً، ولكن المعضلة والسوء كله في مفاهيم الناس للاختلاف نفسه، وعدم إدراكهم الحكمة التي أرادها الله من سنة الاختلاف الكونية والتي هي قطعاً لخير البشرية لا لإشقائها.. قال تعالى: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ).. فالاختلاف والتنوع مظهر من مظاهر جمال الكون، ووسيلة لإعمار الأوطان..
ومن مقاصد الاختلاف فتح أبواب الحرية للاجتهاد والتجديد والإبداع: (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ).. لكن الإقصائيين، والمستبدين بآرائهم هم وحدهم الذين تغيب عن أذهانهم وعقولهم حكمة الله في الاختلاف والتنوع، فإما غابت جهلاً أو عمداً وإمعاناً في التسلط واحتكار الحقيقة والصواب..
الإقصائيون والمتسلطون هم وحدهم الذين يتضايقون من والتنوع والاختلاف، ومبدأ الرأي والرأي الآخر، حول قضية تحتمل أكثر من رأي، لأنهم لا يدركون حكمة الله في خلقه، ولأن لغة المصالح الخاصة أغلقت بصائرهم ومنعتهم رؤية النور الساطع..
حكمة الله في خلقه جعلت الاختلاف سنة كونية لفائدة الشعوب ونهضة بلدانها لا لتدميرها وإشعال الحرائق فيها، لكن عندما تتقازم العقول وتنسد الآفاق، ويعشعش الوقر على الآذان وتبدو على الأبصار غشاوة تتحول هذه النعمة إلى فتنة كبرى وفساد كبير، والاختلاف المنهجي يثري الحوار ويصقل أفهام المختلفين في الرأي، وقبول الآخر أمر حتمي فلا بد أن تكون هناك قناعة بهذا القبول من مبدأ الفهم العقدي للحكمة الإلهية في التنوع والاختلاف في العقول والمدارك والألسن والألوان، وهو آية من آيات الخلق المقصودة لغايات يعلمها الله ولحكمة هو أدرى بمكنونها، فهذه إرادة الله وحكمته فالاختلاف جزء من هدف النشأة وخلق الإنسانية وهو سنة كونية واعية وهادفة لم تأتِ عبثاً، قال تعالى 🙁 وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ).. الإقصائيون والمستبدون بآرائهم يحيلون هذه نعمة الاختلاف إلى نزاع وشقاق نتائجه كارثية فيحدث تدمير الأوطان بدل إعمارها، وقهر الآخر واحتقاره بدلا عن قبوله واحترام اختلافه هذا وتكون النتيجة الحروب والخراب والدمار، يحدث ذلك لتقاصر قامة الإدراك عن مفهوم الاختلاف وحكمته.. الذي لا يعترف بالاختلاف كسنة كونية وحكمة ربانية يسير عكس ناموس الكون في حرية التعبير وحرية التفكير وحرية الاجتهاد، وإن ادعى القرب من الله..
فلا شك أن التعصب الأعمى للرأي والطرح يُعدُّ شذوذاً وانحرافاً عن مقاصد وحكمة الخلق، وهؤلاء يتبعون المنهج الفرعوني في إقصاء الآخر (مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى)، وهم بطبيعة الحال مستبدون طغاة، وأما الذين يتبعون المنهج الفطري السليم لا يضيقون ذرعاً بالاختلاف والتنوع وحرية الفكر.. أن أكون مختلفاً عن شخص آخر هذا يعني أنني مختلف عنه في الاختيار والولاء والانتمائه ولي منهج حر في الاختيار في إطار الحكمة التي أرادها الله. .. اللهم هذا قسمي فيما أملك.
نبضة أخيرة:
ضع نفسك دائما في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين.