رمضان خلف القضبان مع أبوبكر عبد الرازق

رمضان خلف القضبان محاورة سياسية يغلب عليها الطابع الاجتماعي، نستنطق من خلالها سياسيين حفرت أسماؤهم لدى ذاكرة التاريخ السياسي في لحظة ما من لحظات العمر، وهم يتصارعون مع أمواج الحياة التي قذفت بهم بعيداً الى غياهب السجون لنسترجع معهم تفاصيل رمضان في السجن .. القيادي بالشعبي ابوبكر عبد الرازق يروي لـ (آخر لحظة) ذكريات الأيام التي قضاها سجيناً وهو بين رحاب شهر رمضان .

*أول مرة دخل ابو بكر السجن في رمضان؟
– رمضان في السجن أمر مختلف تماماً عن ماهو خارجه، ففي السجن يتحرك المحبوس مقيداً في إطار محدود، وكانت أول مرة أدخل السجن في أواخر شهر رمضان في لعام 2001م، وكنت في سجن كوبر، وقضيت الثلاثة أيام الأولى مقيداً بالسلاسل في حبس انفرادي بغرقة صغيرة لا تتجاوز مساحتها المترين والنصف، ملحقاً به حمام داخلي، ومعظم فترات حبسي كانت في رمضان ودخلته أربع مرات موزعة مابين كوبر وعطبرة ووادي حلفا .
ذهبت للمعتقل بنفسي:
ويقول أبوبكر إن أكثر فترة قضيتها بالسجن وظلت عالقة بذهنه ولم أنسها أبداً كانت بعد مفاصلة الإسلاميين الشهيرة عام 1999 في الرابع من رمضان، وتم ايداعي سجن كوبر كأول معتقل سياسي في سجون السودان قاطبة، واعتقلت بناءً على خطاب القيته في مسجد جامعة الخرطوم تهكمت من خلاله على الحكومة، وكان ذلك اليوم مهيباً بالنسبة لي، لأنني ذهبت الى محبسي بكوبر بقدماي دون انتظار لمن يعتقلني.
وعقب دخولي الى سريات كوبر لفت انتباهي أسماء محفورة بالجدران لسياسيين كانوا مقيمين في يوم ما بين هذه الغياهب أبرزهم الترابي، والمهدي، والسنوسي، وصديق يوسف الناطق باسم الشيوعي، وآخرون من كافة قيادات الصف الأول، والثاني من الأحزاب، لكنني بحثت عن أسماء أخرى لم أجدها كعلي عثمان محمد طه لأنه لم يلج السجن قط .
*كيف تقضي يومك؟
سألت أبو بكر كيف كان يمضي يومه داخل السجن في رمضان.. قال في أحد المرات قضيت 26 يوماً من رمضان بسجن كوبر وكان معي بعض الاخوة الاريتريين كانوا متهمين بالتجسس لصالح دولة اريتريا، وكنا نقسم العمل فيما بيننا كمساجين من ترتيب الغرفة وغسيل وكي الملابس، أما وقتي الخاص كنت أقسمه مابين قراءة الكتب وتلاوة القرآن، وترتيب الأغراض الخاصة ودائماً كنت أفضل الغسيل والمكواة لأنها تعلم الصبر.. وحول وجبة الافطار في رمضان داخل السجن قال ابوبكر الإفطار كان يتكون من بلح وعصير كركدي وفول، وكانت يحضروها من خارج السجن ولكن في سجن حلفا كانت وجبة الافطار أفضل، وكان يتم تجهيزها في منزل أحد حراس السجن ونحدد لهم طلباتنا وكانوا يحرصوا على إحضارها وكنا نطلب التركين والسمك .
رفقاء السجن:
وعن الذين رافقوا ابوبكر عبد الرازق وزاملوه في السجن قال صادفت في السجن كثيراً من قيادات الأحزاب الأخرى التقيت بهم داخل سجن كوبر، ولكن كان أشهرهم الناطق باسم الحزب الشيوعي صديق يوسف، وكنا كإسلاميين نقدمه ليصلي وكان يمتاز بصوت جميل في ترتيل القرآن، وكنت قد قضيت في تلك الفترة (59) يوماً، أما أطول فترة قضاها ابوبكر في الحبس كانت بسجن وادي حلفا، وكنا محبوسين في مخزن يتبع لوحدة من وادي حلفا، وكان عبارة عن غرفة كبيرة قضيت في هذا المحبس فترة سبعة أشهر ونصف الشهر، وكان معي في هذا الحبس الأخوان ابراهيم عبد الحفيظ صاحب (منتجع الباسقات السياحي)، وأحمد الوالي الشين قضينا رمضان والعيدين داخل المعتقل.
وحول المعاملة التي تلقاها عبد الرازق داخل السجن قال: في حلفا كنا في معتقل كان يتبع لجهاز الأمن، وكان يقع بمباني الجهاز بمنطقة لسان البحيرة وبصراحة وجدنا معاملة طيبة من قبلهم وكانوا بعاملونا كضيوف لديهم وليس مساجين، وكنا نتحرك داخل الحوش بحرية لنمارس أنشطة رياضية أو نقوم بسقاية الأشجار كهواية نمارسها بشكل راتب، وعند الإفطار في رمضان كنا نفطر سوياً مع التيم الحارس من عناصر صف الضباط بجهاز الأمن وعلاقتنا بأفراد الأمن أصبحت مفتوحة نتبادل النكات والمزاح، وكنا نلتقيهم في المسجد ونفتح معهم صفحات (الونسة) في كافة القضايا سيما الاجتماعية.. وأحياناً نتلو القرآن في حلقة سوياً، وكانت لديهم مفاهيم خاطئة عن حزب المؤتمر الشعبي عملنا في تصحيحها لديهم لدرجة انهم أصبحوا متأثرين بقضيتنا .
بعد انقضاء فترة حبسي طلبت من إدارة السجن إذناً بعمل جولة بالمدينة وأثناء تطوافي بها لفت نظري أن منازل المدينة غرفها تكاد تكون معروشة بعرش خفيف حتى عبره يأتيك (رقراق الشمس)، وانها مدينة تنوم آمنة من لصوص المنازل وزوار الليل، وما أذكره أن ضباط الأمن في السجن أعدوا لي كرتونة مليئة بالمواد الغذائية كهدية لخروجي من السجن، وكذلك عند خروجي من سجن دنقلا اهدى لي أفراد الأمن نصف جوال من القمح.
وهناك تجربة أخرى خلف القضبان عالقة بذاكرة عبد الرازق عاش تفاصيلها في سجن كوبر، كذلك ويقول عنها تجربة سجن خضتها ولا أنساها أبداً أثر اعتقالي بسبب ندوة سياسية باحدى كليات الهندسة بعطبرة، كان معي الأخ ناجي عبد الله، وتم حبسنا لمدة مائة يوم بكوبر منها (80) يوماً كانت في حبس انفرادي.
ابو بكر عبد الرازق ترجع أسباب اعتقاله المتكررة الى أن الحكومة لديها اعتقاد بانه كقانوني يسعى لادانة جهاز الأمن في بعض القضايا.
قصة خطاب
في إحدى المرات بعثت بخطاب الى مدير جهاز الأمن والمخابرات آنذاك الفريق صلاح قوش، وبدأت الخطاب بعبارة ..السلام على من اتبع الهدي، وكنت أطمح من خلاله معرفة التهم المنسوبة اليّ وماهي الفترة التي سأقضيها، وعلمت بأن الخطاب وصل الى يد قوش، والى الآن لم يصلني منه الرد، وأمضيت فترة طويلة في السجن، وبعد خروجي وجدت أن زوجتي الحبلي قد وضعت لي جنيناً وكان عمره سبعة شهور.

اخر لحظة

Exit mobile version