تقول الحكاية إن خليل الفكي، كان أحد وجهاء مدينته الصغيرة، رجل أنيق ومحبوب، وتاجر مستور الحال، وله مكانة اجتماعية معتبرة. الشيء الوحيد الذي كان يحير البعض في شخصية السيد خليل هو طريقته الغريبة في لف العمامة، وأحد هؤلاء (البعض)، وهو رجل فضولي اسمه سليم سالم، ظل يطارد خليل في كل مكان يلتقيه ملحا عليه بالسؤال عن عمامته وطريقة لفها العجيبة، إلى أن (زهج) خليل يوما من إصرار الرجل وقرر أن يقص عليه سر العمامة، فقال:
“القصة قديمة جدا يا سليم، حدثت قبل أكثر من أربعين عاما، وقتها لم تكن موجودا، بل لم يفكر والدك حتى في الزواج. كنا شباب طائشين ومغترين بفتوتنا، ومن مرة إلى أخرى كنا نخرج إلى الطرق السفرية ونربط للمسافرين، وننتزع منهم بالقوة أموالهم أو بعض مقتنايتهم أو مواشيهم. في مرة خرجنا ونحن ثلاثة إلى الطريق المؤدي إلى أقاصي الصعيد. كمنا هناك أسفل تل رملي بعد أن أبصرنا شابا صغيرا يعتلي جملا ومعه امرأة جميلة تعتلي جملا آخر.
المهم، يا سالم، باغتنا الشاب بأن قفزنا أمامه شاهرين عكاكيزنا وسيوفنا وطلبنا منه أن يتوقف. لم يكن يحمل أي سلاح، وبيده سوط “عنج” قصير فقط يستخدمه لقيادة الجميلين. نزل الشاب إلى الأرض وسألنا عن مطالبنا. فطلبنا منه أن تنزع المرأة كل حليها وذهبها فورا، فطلب منها ذلك وتناول الذهب والحلي بنفسه وأعطانا لها. طلبنا منه تسليمنا ما معه من نقود، فأعطانا جنيهات قليلة كانت بحوزته، ثم ارتقى قافزا لاعتلاء بعيره محاولا الابتعاد، بيد أننا استوقفناه مرة أخرى وصرخ أحدنا في وجهه بألا يتحرك من مكانه، وقال له:
اترك المرأة هنا وأمشي.. نريدها.
وهنا يا سالم حدث ما لم يتوقعه أحد منا. قفز الشاب مرة أخرى إلى الأرض، وفي سرعة وخفة غريبتين كان يرسل ضربات سياطه، لتصيب مناطق محددة في أجسادنا؛ في الرأس وقريبا من القلب وعلى الكليتين وتحت الحزام، أذاقنا الألم وتجرعنا الويل في لحظات بدت كأنها دهور. أصيب رفيقاي بحالة إغماء من توالي الضربات الموجعة وتوسدا الرمل، أما أنا فعدوت صوب المرأة – التي هبطت من البعير – وأمسكت بها وأنا أرجوه أن يتركني تقديرا له.. اقترب مني، انتزع من عضدي سكيني، وقال:
لأجلها فقط سأتركك لكن، سأجعل لك علامة لن تمحي إلى الأبد”.
حين وصل السيد خليل إلى هذه النقطة من حكايته انتزع من رأسه عمامته، وعرض رأسه عار على سالم.. لم تكن هناك أذنان.