انفتاح السودان يجذب استثمارات
بعد عزلة سياسية واقتصادية استمرت أكثر من 32 سنة، بدأ السودان يتنفس الصعداء مع بداية تحرره من القيود وانفتاحه على العالم، مستفيداً من علاقاته العربية التي ساهمت في إعادة تدفق الاستثمارات الى مختلف قطاعاته الاقتصادية، خصوصاً الاستثمارات السعودية التي تجلت باستغلال الثروات المعدنية بحوض «اطلانتس 2» في البحر الأحمر، فضلاً عن أن الخرطوم تتهيأ لتنفيذ «الرؤية السعودية 2030» بما يعود للجزء المتعلق بالانتاج الزراعي وتأمين الغذاء، بعد ترشيحها من قبل ولي ولي العهد السعودي النائب الثاني لرئيس الوزراء وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، كوجهة رئيسية للاستثمار الزراعي.
في أيلول (سبتمبر) 1983، تعرض السودان لعزلة سياسية واقتصادية بدأتها الولايات المتحدة عقب إعلان الرئيس السابق جعفر محمد نميري ما أطلق عليه النظام آنذاك «قوانين الشريعة الإسلامية»، وأخذ الحصار يشتد ويتسع سنة بعد سنة، حتى أن دول الخليج انضمت اليه إثر موقف الخرطوم من غزو العراق لدولة الكويت عام 1990. واذا كان النفط هو السبب الرئيس للحصار الاقتصادي، فقد خسر السودان نتيجة تأخر استغلاله لأكثر من 15 عاماً نحو 100 بليون دولار، حتى توج هذا الحصار بانفصال الجنوب في تموز (يوليو) 2011، وانفصلت معه عائدات نفطية تزيد على سبعة بلايين دولار سنوياً. وبدلاً من أن يرفع الحصار الاقتصادي بعد الانفصال، فقد شهد البلد تأجيجاً للصراع في جنوب كردفان والنيل الأزرق فضلاً عن منطقة دارفور.
وطيلة فترة العقود الثلاثة الماضية دفع الشعب السوداني ثمناً باهظاً من دخله الاقتصادي وحياته الاجتماعية، اذ تراجع متوسط دخل الفرد الى نحو 1500 دولار وارتفعت نسبة الفقر الى 46.5 في المئة. حصل ذلك، على رغم أن السودان يعد من أكبر الدول من حيث المساحة في العالم العربي وأفريقيا، ويحتل المرتبة العاشرة بين بلدان العالم الأكبر مساحة، اذ تقدر مساحته بأكثر من مليون ميل مربع، بينما يبلغ عدد سكانه 40.2 مليون. ويقع في المنطقة المدارية، ولذلك تتنوع الأقاليم المناخية السودانية من المناخ الصحراوي الى المناخ الإستوائي، وأدى ذلك الى تنوع الثروات الطبيعية التي يزخر بها، لدرجة أن البعض يرى أن السودان يعتبر قارة تسكن دولة، وهو ما جعله مطمعاً للدول الغربية التي تريد أن يكون لها نصيب الأسد من تلك الثروات الموجودة ومن أهمها المياه، والأراضي الزراعية والثروة الحيوانية والنفط، واليورانيوم والثروة المعدنية.
ونظراً الى أهمية السودان الاقتصادية فقد دعي «خزان الغذاء للمنطقة العربية»، ويلاحظ في هذا المجال أن الدولة تمتلك نحو 200 مليون فدان صالحة للزراعة، اي ما يعادل نحو 45 في المئة من الأراضي الصالحة للزراعة في الوطن العربي، ولكن لم يتم استثمار سوى 30 مليون فدان. وما يزيد أهمية الموقع الجغرافي للسودان كونه البوابة الشمالية لوسط أفريقيا وجنوبها. كما انه يشترك بحدود مع تسع دول افريقية هي مصر وليبيا وتشاد وجمهورية أفريقيا الوسطى وجمهورية الكونغو الديموقراطية (زائير)، وأوغندا وكينيا وأثيوبيا وأريتريا، كما انه يطل على البحر الأحمر بساحل يبلغ طوله نحو 720 كيلومتراً. وبحكم الخيرات والثروات التي يزخر بها السودان، زادت أطماع الغرب بمقدراته وبالسعي للسيطرة عليها والاستفادة منها.
ومع تفاعل السودان مع التطورات الأمنية والسياسية التي تشهدها المنطقة العربية، وبروز موقفه الإيجابي الداعم لسياسة المملكة العربية السعودية قي قيادتها للتحالف العربي لإنقاذ اليمن، عاد الاهتمام السعودي بقوة للاستثمار في السودان والمشاركة باستغلال ثرواته. وبلغة الأرقام، يبلغ حجم الاستثمارات السعودية الفعلية حالياً في السودان نحو 11 بليون دولار، يتوقع ان تتضاعف الى 22 بليوناً عام 2020، مع تنامي تدفق استثمار القطاع الخاص السعودي الى مختلف قطاعات الاقتصاد السوداني، خصوصاً ان التوجه السعودي يركز على الانتاج الزراعي في ظل «الرؤية 2030»، وقد خصصت حكومة الخرطوم أكثر من مليون فدان للاستثمار السعودي، في إطار خريطة خاصة باستثمار المملكة لتأمين الغذاء الزراعي والحيواني. إضافة الى ذلك، وقعت المملكة مع السودان برنامجاً لاستغلال الثروات المعدنية بحوض «اطلانتس 2» في البحر الأحمر، ويحتوي معادن تصل عائداتها الى 20 بليون دولار، وقدرت الهيئة العامة للبحوث الجيولوجية في الخرطوم الثروات في المنطقة المشتركة بين البلدين بنحو 47 طناً من الذهب، ومليوني طن من الزنك، و 500 الف طن من النحاس، و 3 آلاف طن من المنغنيز، وكمية مماثلة من الفضة.
ويأمل السودان بعد انفتاحه على العالم وتجاوزه تحديات الحصار الاقتصادي، بأن يتلقى استثمارات من بلدان بينها الولايات المتحدة، اذ تقوم شركات أميركية باستثمارات في الصمغ العربي والسكر ومجالات أخرى، ويتوقع وزير الدولة لشؤون الاستثمار أسامة فيصل أن يتجاوز حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة هذه السنة 42 بليون دولار، مع الاشارة الى ان الفائض الكلي لميزان المدفوعات ارتفع الى 21.5 مليون دولار في الربع الأول من العام الحالي، مقارنة بـ7.3 مليون دولار للفترة ذاتها من عام 2015، بينما حقق الميزان التجاري عجزاً يزيد على بليون دولار، في مقابل 773.8 مليون دولار في الفترة ذاتها من العام الماضي. وعزا تقرير لوزارة المال أسباب هذا العجز الى انخفاض قيمة الصادرات نتيجة تراجع أسعار الذهب والنفط.
بقلم: عدنان كريمة
كاتب متخصص بالشؤون الاقتصادية
* نقلا عن صحيفة ” الحياة ”