أخيراً جداً وجدت من يشاركني تلك المخاوف على مستقبل السودان، وذلك من زاوية (الفراغ الكبير) الذي يكاد يسيطر على كل الأرجاء السودانية، اللهم إلا من بعض حالات التكدس في الحواضر.. بدأت أحس بذلك الخطر منذ نحو سنوات ونحن يومها نحلق فوق إقليم دارفور، حيث انتبهت إلى أن الحكومة والتنمية والسكان والأمن يحتشدون في بضع حواضر، الفاشر ونيالا والجنينة والضعين، على أن أكثر من تسعين بالمائة من مساحة الإقليم تقع تحت سيطرة الفراغ الكبير.. تعززت تلك المخاوف ونحن ذات منشط صحفي نمشي مسيرة نصف يوم بين حواضر سنار، وبين الحاضرة والأخرى أراض شاسعة يسيطر على الفراغ والبور البلقع وغياب التنمية والأمن.
* غير أن الرعب بلغ بنا مبلغاً ونحن نمشي مسيرة يوم على تخوم الحدود الإثيوبية، ولا أثر لحكومة أو أنشطة سكانية وعمرانية، وبالتالي غياب أي مظهر أمني.
* وتنهض تلك المخاوف على مفهوم أن الأنشطة الاقتصادية التنموية والتجمعات السكانية تشكل حلقة أمنية قوية إذا توزعت على جنبات البلاد، وفي المقابل أن أي انسحاب من القرى والمزارع والبيادر إلى المدن والبنادر يخلف ثغرة أمنية باهظة.
* على أن استعداد ولاية الخرطوم لاستيعاب كل الريف السوداني، هو بالأحرى اغتيال للريف والمدينة معا إن لم يكن اغتيال للسودان بأكمله.. لنصبح في خاتمة الأمر كالمنبتة لا أرضا زرعنا ولا ظهرا أبقينا ليتضاعف سعر قطعة الأرض في الخرطوم لبضع مليارات، بسبب تكدس أكثر من سبعة ملايين في العاصمة وفي المقابل لا قيمة للأرض بالولايات الفارغة سيما البعيدة عن مكمن الحواضر.
* هكذا أخيراً جداً تنفست الصعداء، ورجل بقامة سعادة الفريق الفريق الطيب عبد الرحمن مختار يشاركني هذا القلق، وذلك عبر (الواقعة) الآتية التي تداولتها وسائط الأمس، وما أدراك ما الواقعة.. يقول الرجل الشرطي.. إنه قد تلقى دعوة شخصية للمشاركة في سمنار نظم في جامعة اكسفورد عام 2008 حول مشكلة دارفور. وإن خريطة لأفريقيا عرضت على المشاركين، تحت عنوانNew Map of Africa تبين أن السودان موزع على عدة دول، فعلى الأقل في ناحية الشرق السوداني قد برزت دولة كبيرة في القرن الأفريقي، ضمت إليها كل ولايات شرق السودان الحالية، القضارف وكسلا والبحر الأحمر، بجانب شرق ولاية نهر النيل.، فالإقليم المتاخم لولاية القضارف في إثيوبيا، يسكنه خمسة وثلاثون مليوناً، بينما يبلغ سكان الولاية السودانية بالكاد مليونا ونصف المليون هذا وضع لا يستغرب معه تدفق سكاني من جهة الشرق على الولاية الخالية ذات الأراضي الخصبة، فإذا ما اقترن الزحف السكاني الإثيوبي بخطة حكومية إثيوبية مع رؤية مستقبلية لأفريقيا من قوى خارج القارة، يكون الوجود الإثيوبي – الذي بات كثيفاً في السودان – ضمن خطة التوزيع القادمة. وليس بالضرورة أن يعلم الشفتة المسلحون أو المهاجرون المسالمون أو سائقو الركشات و الحلاقون وعمال المقاهي والمطاعم والعاملات في المنازل، أنهم ينفذون خطة بعيدة المدى. فإذا علموا، أو علم بعضهم، يكون التنفيذ أسرع وأوقع.
* على أن هنالك عدة جهات، حسب الخريطة، في الشرق والجنوب قد استقطعت من السودان لتلحق بدول أخرى، وكل ذلك بسبب الفراغ والتكدس في الحواضر، فما لم تستطع أن تشغله أنت سيملأوه لا محالة آخرون!
* هنالك فرصة أخيرة – والحديث لمؤسسة الملاذات الجناح الفكري – بأن نعيد انتشارنا التنموي والسكاني على طول وعرض بلادنا الممتدة، وبالتالي نبسط سيطرتنا عليها، أو لنستعد في المقابل لأطماع الأقربين والأبعدين.. والرأي عندي أن نبدأ برفع شعار.. صناعة (خرطوم طاردة).. وذلك مقابل ريف جاذب