غرق السفينة أم عودة الوعي؟!

* كان الرئيس الراحل جعفر نميري يتحدث بحماس أهوج أمام الاتحاد الاشتراكي.. فاتورة الرئيس للعلاج أن يقلل الناس من استهلاك الطعام .. من يأكل ثلاث وجبات يكتفي باثنين.. ثم هاجم المشير بضراوة الذين ينتقدون الصرف البذخي للسيدة الأولى، وقال للشعب إنها زوجة رئيس جمهورية وليست زوجة نجار..حاول علي شمو وزير الإعلام وقتها أن يسدي النصح للرئيس مقترحاً عدم إعادة بث الخطاب المنثور في الهواء.. الرئيس الذي فقد حاسية قياس نبض الشعب وجه الوزير أن يعاد بث الخطاب ولو كره الناس.. وقد كان .
* شهد الأسبوع الماضي اعترافات ثلاثة من منظري الإنقاذ الكبار.. قدم كل من علي عثمان النائب الأول السابق والبروفسور حسن مكي الأكاديمي المعروف وثالثها الأستاذ عبدالرحيم حمدي قدموا رؤى غير متسقة مع الخطاب الرسمي لحكومة الانقاذ.. الأستاذ علي عثمان سدد رميات ضد مشروع الحوار الوطني واعتبره قد ضَل الطريق..ثم ذات الرجل قدم اعترافات نادرة بأن كسب الحركة الاسلامية في السودان بدأ يتراجع، لانها أسست مشروعاً لم يعترف بالآخر بل كان يحقره في كثير من الأحيان.
* إلا أن أشد الانتقادات جاءت على لسان المفكر الاستراتيجي حسن مكي الذي كان يتحدث للزميلة الصيحة..حسن مكي قال: “
الذي لا تريد الحكومة أن تفهمه أن مشروعهم خرج من قلوب الناس وأصبح محل تندر ..هذه القيادة عيونها مغطاة بغشاوة السلطة.”.. والمفيد في هذا الاعتراف أن الرجل أقر بأنه جزء من هذه الأخطاء وسوء التدبير.. ومن قبله سمعت الاستاذ المحبوب عبدالسلام يقدم ذات الاعترافات منوهاً إلى أن دورة المشروع الإسلامي انتهت بفشل ذريع
* الأستاذ عبدالرحيم حمدي الذي كان يتحدث لبرنامج المنصة بقناة الخضراء توقع ثورة جياع إن لم تحسن الحكومة إدارة الاقتصاد..رؤية حمدي تكتسب أهميتها من كون الرجل كان العراب الاقتصادي لحكومة الإنقاذ طوال السنوات الأولى ..كما أنه وضع لبنات الإصلاح الاقتصادي الصحيح، إن الأنقاذ أهدرت فرصة الرخاء التي واكبت تسويق البترول السوداني بأسعار جيدة قبيل انفصال جنوب السودان.
* في تقديري ..إن هذه القراءات الجديدة للحال الراهن والمآلات المتوقعة تعتبر مؤشراً إيجابياً ..هذه الانتقادات الصادرة من القلب الحركي ستجد استجابة وسط الشرائح المؤيدة للانقاذ..هؤلاء الذين يقدمون النصح مازالوا داخل الصندوق القتالي للحركة الاسلامية الحاكمة..بل إن بعضهم كانوا من حراس المعبد أيام التمكين السياسي والاقتصادي ..لهذا على الآخرين خاصة في جوانب المعارضة أن يعيدوا قراءة المشهد الإنقاذي لا بأحلام السفينة الغارقة ولكن بواقع عودة الوعي
* بصراحة..تيار مراجعة المشروع الإسلامي في السودان بدأ يتسع يوماً بعد يوم.. لولا قبضة الدولة لخرجت أطروحات جريئة لا تقل عن مراجعات الغنوشي في تونس.

Exit mobile version