( سباق الأكشاك)

ومن الأمثال الشعبية : ( في سباق الحمير، الأول حمار والطيش حمار)، ولكن يبدو أن مجلس الصحافة بعيد عن الشعب وأمثاله العميقة، ولذلك يتحفنا سنويا بالمسمى – مجازاً – بتقرير التحقق من الإنتشار .. لقد إنحدر معدل التوزيع السنوي لعدد (46 صحيفة)، إلى رقم لايتجاوز (134 مليون نسخة)، أي معدل توزيع اليومي لكل تلك الصحف لايتجاوز (400.000 نسخة).. وهذا الرقم يعادل حجم توزيع إحدى صحف الصف الخامس بمصر (القريبة دي)..نعم، حجم توزيع أية صحيفة مصرية، من صحف المرتبة الخامسة، قد يتجاوز حجم توزيع كل صحف السودان، ودونكم أرقام التوزيع الذي أعلنها الأمين العام لمجلس الصحافة يوم الخميس الفائت ..!!

::وكذلك دونكم تقارير هيئات التحقق من الإنتشار في البلاد العربية، لتتبينوا مآساة الخرطوم التي كانت تقرأ ما تؤلفها القاهرة وتطبعها بيروت، ناهيكم عن تزاحم أفراد شعبها أمام المكتبات لتقرأ ما تطبعها دور صحفها.. وبالتأكيد،هذا البؤس هو الحال الذي يُسعد مجلس الصحافة، فيعلن سنوياً ما يسميه عن تقرير التحقق من التوزيع والإنتشار .. ورغم أن الإعلان عن هذا التقرير سنويا يكاد يصبح الوظيفة الوحيدة لمجلس الصحافة، لايدرس المجلس محتوى التقرير بوعي ، ولا يرهق عقله لمعرفة أسباب هذا الإنحدار المتواصل ..!!

:: فالمجلس يكتفي بإعلان قائمة التحقق من الإنتشار، وكأن ذاك الرقم الهزيل لايفضح نهج الجهة الرسمية التي تمثل الدولة والحكومة والمجتمع، والمكلفة بنص الدستور بادارة وتطوير (الصحافة السودانية)..فالإدارة عند المجلس لم تتجاوز رصد الصحف والترصد بها بغرض (التقرير أو العقاب)، وكذلك التطوير عنده لم يتجاوز تحديث مبنى المجلس ثم تبادل المناصب..صناعة تحاصرها القيود الإقتصادية بحيث عائد التوزيع – ولو بنسبة 100% – لا يغطي تكاليف الإنتاج، فلماذا يفكر الناشر في رفع الإنتاج وتوسيع الإنتشار..؟؟

:: فالصحافة وسيلة وعي ومعرفة وتثقيف، ولكن فواتير وزارة المالية تضع مدخلات صناعة هذه الوسيلة في قائمة مدخلات صناعة السجائر، رسوماً وضرائباً وجماركاً وأتاوات، ولذلك تتقزم دائرة تأثيرها وإنتشارها الإيجابي عاماً تلو الآخر..وكل هذا يتم بعلم المجلس المكلف بتطوير المهنة، أوهكذا تسمى المهام (مجازاً طبعاً)، وليس واقعاً..وعليه، بدلاً عن عقد مؤتمر سنوي مفاده (الإنتباهة جات الأولى)، كان على مجلس الصحافة أن ينظم ورشة أو ندوة توضح عجزه عن إزالة القيود الأمنية والإقتصادية التي تكبل الصحافة السودانية وتحول بينها وبين الإنتشار الواسع والتأثير الإيجابي (محلياً فقط )..!!

:: نعم، لقد تقزم طموح أهل الصحافة لحد الإنتشار والتأثير ( محلياً فقط)..وليس إقليمياً وعالمياً، إذ نُقدر – ونتفهم – أن الخيال – وكذلك الإرادة والطموح – بالمجلس وكل أجهزة الدولة دون الغاية التي تتجاوز فيها صحافتنا حدود الوطن..وكذلك، بدلاً عن إهدار الزمن والمال في تقرير مفاده (فلانة جات الطيش)، كان على المجلس أن يناقش أسباب الفوضى (غير الخلاقة)، بحيث يصدر هذا الكم الهائل من الصحف (بلا مؤسسية)..فالسواد الأعظم من ( 46 صحيفة)، ما هي إلا أكشاك وكناتين..ولكن الحقيقة التي تتهرب منها السلطات أنها أكشاك وكناتين بأمر القوانين ورعاية المجلس وكل أجهزة الدولة ذات الصلة بصناعة الصحافة..هل الواجب تطوير القوانين والرعاية بحيث تتحول الأكشاك إلى مؤسسات صحفية ناضجة وذات تأثير وإنتشار، أم أن الواجب هو فقط رصد (سباق الأكشاك) ..؟؟

Exit mobile version