المقولة الخالدة للإمام محمد عبده ما تزال تتفاعل وتعمل بكفاءة وجسارة تدمي القلوب.. قال الإمام الراحل.. ذهبت إلى الغرب فوجدت مسلمين ولم أجد إسلاما.. وجئت إلى الشرق فوجدت الإسلام ولم أجد المسلمين.. ترى هل يلام الرجل..؟ كلا.. ولنتخذ من شهر رمضان المعظم نموذجا لتطبيق حالة التقاطع هذه بين الشرق والغرب كما رآها الإمام محمد عبده.. فدينيا أو من حيث النصوص.. سواء قطعية الدلالة منها أو التفاسير أو الاجتهاد أو التأويل.. فللصوم حكمة مشروعية قامت عليه.. وقد ذكر الله تعالى الحكمة من مشروعية الصيام وفرضِه علينا في قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ على الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).. إذن الصيام وسيلة للتقوى.. وتقوى الله هي التزام أوامره واجتناب نواهيه.. ثم ومنذ الطفولة ظلت مدارس المسلمين وكتاتيبهم تدرس ناشئة المسلمين أن من أجلّ حكم مشروعية الصوم.. أن المسلم حين يصوم يجوع فيشعر بمعاناة الجوعى والفقراء والمساكين.. فيدفعه ذلك للإنفاق.. ولإطعام الطعام.. ثم قيل لنا ولمن قبلنا.. ولصغارنا من بعدنا.. إن شهر رمضان شهر للطاعات.. وشهر للرحمة.. وشهر للتراحم والتوادد.. والتكافل.. وشهر للزهد والتعفف.. وغيرها.. من كل ما يحفظه جمعنا عن ظهر قلب..!
هذا من حيث التنظير.. أما من حيث التطبيق فحدث ولا حرج.. فقبيل شهر رمضان المعظم.. (هكذا يسميه المسلمون في الشرق) تختفي السلع من الأسواق.. لتدخل مرحلة الندرة.. ثم مرحلة ارتفاع الأسعار.. فالثراء الفاحش.. الوالغ في الحرام.. ولا تفتأ ذات الألسن التي تقتات الحرام تردد صباح مساء.. أن رمضان شهر الخير والبركة.. والتقوى.. والزهد.. شهر التعبد والتهجد والفلاح والصلاح.. ثم ذات الألسن تتنادى.. أن هلموا.. فوزوا بجنة عرضها السموات والأرض.. ولئن سألتهم.. كيف يدخل الجنة مكتنز.. ومحتكر.. ومطفف.. نظروا إليك شذرا.. ثم قاموا إلى تجارتهم يكنزون..! فطبق الآن نهج الإمام محمد عبده.. وانظر إلى صفحة الغرب في رمضان.. ترَ عجبا.. الدولة بجلالة قدرها.. يمكن أن تتدخل لتخفيف أعباء المعيشة على المسلمين في شهر رمضان.. وهذا ما يسمى بالتمييز الإيجابي.. والدولة لا تفعل ذلك كما يحدث عندنا.. حين تتخذ إجراءات تؤدي لرفع الأسعار.. ثم تلزم منافذ البيع بعدم رفع الأسعار.. في معادلة لا يستوعبها عاقل.. فإذا كانت الدولة هنا.. تحمل التجار وزر إجراءاتها التي تفضي لرفع الأسعار.. فالدولة هناك تتنازل طائعة مختارة عن حقوقها.. من أجل التخفيف عن مواطنيها من المسلمين في شهرهم العظيم.. أتدرون كيف تفعل الدولة ذلك..؟ إنه إجراء بسيط يمكن لأي دولة محترمة أن تنفذه.. فالمسألة ليست فتح أسواق طرفية.. ولا توزيع بطاقات تموينية.. بل هو إجراء واحد يذهب عائده مباشرة لصالح المستفيد الأخير من السلعة.. أي المواطن.. إنه تخفيض الضرائب على تلك السلع التي يحتاجها المسلمون في شهر رمضان المعظم.. ولأن التجار هناك أيضا محترمون وأمناء.. فالتخفيض الضريبي هذا يذهب مباشرة للمستهدف به.. أي المشتري.. ولعله ولسبب من هذا هم يتقدمون.. ونحن.. يصعب التوصيف..!
استمعت لأحد الغربين يروي تجربته مع الصوم تضامنا مع المسلمين.. وكيف أنه يتبرع بقيمة وجباته جراء الصوم للمحتاجين.. ذهلت في الواقع وفوجئت بالحقيقة الصادمة.. أن المسلمين وأنا منهم لا نوفر شيئا.. بل نلتهم في عشر ساعات أضعاف أضعاف ما صمنا عنه في خمس عشرة ساعة.. فهل نحن مسلمون..؟