أفرحوا بعضكم
مصادفة بحتة، كشفت لي في حوار مع أحد الأصدقاء، أن صديقا ثالثا ينوي تحويل مبلغ مالي محترم لعدد أكثر من ثلاثين أرملة في الخرطوم. والتحويل من السعودية. أصبت بدهشة كبيرة جدا. وتصورت أن المبلغ سيقصم ظهر الرجل لكثرة عدد المحول لهن، على الرغم من أن الأمر في حد ذاته عمل خير كبير وعظيم بكل الموازين. فأنا أعرف مقدار راتب هذا الصديق – الثالث، وأعرف حجم المسؤوليات والمصروفات الملقاة على عاتقه، سواء في السودان أو هنا في مغتربه.
سألت الصديق: أنت متأكد أن المبلغ من حسابه الشخصي أم هي صدقات كلف بإرسالها؟. فأكد لي أنها من حر ماله، ثم أوضح لي المسألة بشرح اقتصادي مبسط. السودان يعاني تضخما كبيرا في العملة، والجنيه السوداني مقابل الريال السعودي يتضاءل في كل يوم أكثر، فإذا حول هذا الرجل لكل أرملة مائتي جنيه سوداني فإن المحصلة النهائية ستكون معقولة من راتبه، ولنفترض أنها ربعه، فالرجل راض بهذا!
انتهى حديثي مع الصديق، وافترض الآن أن المبلغ تم تحويله إلى الأرامل الثلاثين، كما أتصور أنهن إلى حد كبير فرحن بهذا المبلغ، فهو وإن كان صغيرا إلا أنه بلا شك سيقضي لهن بعض الشؤون المؤجلة ويساعدهن في حل بعض الإشكالات الصغيرة والمهمة، هذا إضافة إلى القيمة النفسية الكبيرة التي يحققها لهن مثل هذا الفعل الذي يذكرهن بأنهن حاضرات وموجودات في ذاكرة شخص ما يحس بهن ويحبهن ويحاول إسعادهن والتخفيف من حدة حياتهن ولو بالقليل.
وتخليت لو أن الأمر تكرر على يد ثلاثين شخصا آخرين، رصد كل منهم ثلاثين أرملة أخرى وحول لها، لكانت السعادة تظلل الآن بيوت تسعمائة أرملة هي وأبنائها الأيتام. هل يمكنك تخيل هذا؟
وهذا التصور أو الحلم لا يقتصر على المغتربين أو المهاجرين فقط، بل يمكن لكل شخص مقتدر أن يحقق ذات الفعل الخير، وبحسب إمكانياته وقدراته المالية، حجم المبلغ المقدم؛ كبيرا كان أم صغيرا لا يهم كثيرا، فأي مساعدة مالية أيا كان حجمها ستسعد الآخر المحتاج إن كانت امرأة أرملة أو أسرة تعاني من ضرب الحياة وتقلباتها أو أطفال أيتام، أو مشردين، أو من الأقارب الذين تعرف حالهم وتحسهم ومثلهم الجيران، وكل من ترى أنه يستحق المساعدة.
إنها دعوة لنفرح بعضنا.. فلنبدأ