فَقدت هيلين هيويت كلاً من والدتها وشقيقها الأصغر وطفلها بسبب مرض السرطان، حسب تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية.
وعلى الرغم من تغلبها بنجاحٍ على سرطان الثدي، إلا أنها تُصارع حالياً عدة أورامٍ في رئتيها، وهناك خطرٌ كبيرٌ أنْ تصاب بأنواعٍ أُخرى من الأورامِ السرطانية، بسبب تشوهٍ وراثيٍ في حمضها النووي.
وعلى الرغم من ذلك، تُعَد هيلين رائدةً في انتهاجِ طريقةٍ غير مألوفةٍ لمواجهة هذا الغريم المألوف بشكلٍ زائدٍ عن الحد. حيث تتعاطى هيلين توليفة من الأدوية التجريبية المألوفةِ للغاية للجميع بجانب العلاج الكيميائي التقليدي، والجراحة، والعلاج الإشعاعي، حتى أنّ بعض هذه الأدوية ربما تكون في دولاب حمامك.
أحد هذه الأدوية هو “ميتفورمين” Metformin دواء مرض السكري، والذي ربما يُساعد في تجويع خلايا السرطان المتعطشة للسكر بجانب وظيفته في جعل الخلايا السليمة أكثر حساسية لتأثير هرمون الأنسولين.
كما تم وصف كل من دواء ستاتين Statin الخافض للكوليستيرول والمضاد الحيوي من أجل فائدة إضافية، ألا وهي إخماد الالتهاب الذي يُعد وسيلة تستخدمها الخلايا السرطانية من أجل النمو.
وهناك أيضاً العلاج الشائع للدودة الشريطية، ميبيندازول Mebendazole الذي قد يثبط نمو الأوعية الدموية في الأورام السرطانية.
سَعت هيلين وراء هذه الأدوية بعد أن اكتشفت ظهور جذورٍ لورمٍ سرطانيٍ مباشرةً عقب خضوعها لعمليةٍ جراحيةٍ لإزالة ورم بإحدى رئتيها.
وصرحت هيلين، طبيبة أمراض القدم في القطاع الصحي NHS والمقيمة في ولفرهامبتون Wolverhampton “بأن تجربة شيء من شأنه إضعاف الأورام دون أن يكون له تأثير كبير عليّ من ناحية الأعراض الجانبية بدا شيئاً منطقياً”.
وعلى الرغم من أن الحكم لم يَصدر بعد فيما إذا كانت هذه الأدوية تحدث فارقاً، إلا أن هذه الأدوية ليست الوحيدة التي تخضع لإعادة تقييم شامل من بين الأدوية المألوفة في خزانة الأدوية، بدءاً بالأسبرين Aspirin ومروراً بمُضادات الحموضة Antacids، ومُثبطات بيتا Beta Blockers وانتهاءً بالمسكنات ومضادات الالتهاب إبوبروفين Ibuprofen، حيث أضحت كلها تحت البحث باعتبارها مضادات محتملة للسرطان.
وبخلاف وسائل العلاج القديمة التي تستهدف وتدمر الخلايا السرطانية المنقسمة بشكل مباشر، يبدو أنّ العديد من هذه الأدوية المعاد تطويعها، تستهدف الخلايا السليمة، التي تتعاون مع الخلايا السرطانية وتدعم نموها بحسب تقرير لصحيفة “الغارديان” البريطانية.
الخلايا السليمة
وتُعَدُ وجهة النظر التي تعتبر مرض السرطان خليطاً من الخلايا السليمة والمختلة جديدة نسبياً، رغم قبولها على نطاق واسع، وتقدم وجهة النظر هذه تفسيراً جزئياً حول الأسباب التي ربما تقف وراء إغفال الخصائص المضادة للسرطان الموجودة بالأصل في أدويةٍ مثل الأسبرين.
يقول “بان بانتزياركا” Pan Pantziarka المنسق المشترك في مشروع إعادة تطويع الأدوية لأغراض علاج الأورام، والذي يهدف لتحديد أكثر الأدوية الواعدة والانتقال بها لمرحلة الاختبارات السريرية، “لكن النظام كله يعتمد على تطوير مصدر داعم من الدماء، وتخريب الجهاز المناعي، وتحقيق معدلات معينة من النمو، و كثير من الأدوية المعاد تطويعها تعالج هذه الأشياء الأخرى التي يعتمد عليها السرطان من أجل البقاء”.
يُعد دواء الثاليدومايد المثير للجدل قصة نجاحٍ مبكرة، حيث تم تطوير هذا الدواء في الأصل خلال حقبة الخمسينيات ليستخدم كمهدئ، ثم تم استخدامه لاحقاً للحد من أعراض الغثيان الصباحي أثناء الحمل، حتى تم اكتشاف تسببه في تشوهات خلقية حادة ومن ثم أُحيل للتقاعد، ثم بدأت عملية إعادة إحياء دواء الثاليدومايد في التسعينيات، بعد أن اكتُشف أنّه يُثبط نمو أوعية دموية جديدة، وأشارت سلسلة من تقارير الحالات، إلى أنّه ربما يُخمد النظام المناعي.
بدأ اهتمام أستاذ الأورام في مستشفي سانت جورج، توتينج، لندن، أنجوس دالجليش Angus Dalgleish بالعقار بعد أن شهد التحول الدراماتيكي في حالة مريض مُصاب بمرض مناعة ذاتية Auto-Immune Disease وتم علاجه باستخدام الثاليدومايد. حيث قال “بدأتُ في قراءة المزيد وصدمني وجود جوهرةٍ ملقاةٍ في القمامةِ”.
في هذه الأثناء، تم نشر نتائج تجربة صغيرة لعقار الثاليدومايد، أُجريت على مرضى مصابين بسرطان النخاع العظمي.
لم يستجب المرضى للعلاج القياسي، فتمّ إعطاؤهم الثاليدومايد كملاذٍ أخيرٍ، وشُوهد تراجع السرطان في ربع تلك الحالات، ولكن هناك أعراضاً جانبية أُخرى للثاليدومايد بجانب التشوهات البشعة التي ولّدتها في الأجنة.
ولذلك تمكن دالجليش من خلال العمل مع شركة ناشئة تسمي سيلجين Celgene لأجل تطوير العديد من الأدوية المماثلة الأقل سُمِّية، وتم إخضاعها لتجارب سريرية، إحداها كان دواء ليناليدومايد lenalidomide الذي لاقى إقبالاً شديداً في استخدامه لعلاجِ سرطان النخاع العظمي، ويُحقق مبيعات سنوية تُقدر بحوالي 4 مليارات دولار على مستوى العالم.
الأسبرين
يَقف عقار الثاليدومايد وحيداً حتى الآن، كعلاجٍ تم إعادةُ تطويعه لعلاج السرطان بشكل ناجح، لكن ربما يشاركه قريباً الأسبرين، والذي اتخذ شكلاً جديداً كعلاجٍ لأزمات القلب والسكتات الدماغية.
تقول روث لانجلي Ruth Langley طبيبة الأورام في وحدة التجارب السريرية MRC بلندن، “هناك أدلة جديدة مثيرة تفيد بأنّه قد يُصبح دواء مضاداً للسرطان أيضاً”. حيث تقوم حالياً بالبحث عن متطوعين لتجارب سريرية للعلاج بالأسبرين من بين حوالي 11 ألف مريض خضعوا بالفعل لأفضل البرامج العلاجية لسرطان الثدي، والقولون، والمريء، والبروستات، وتضيف لانجلي “نحاول أن نرى إمكانية تأخير عودة السرطان مرة أخرى، أو حتى منعه من العودة كلية عن طريق استخدام الأسبرين”.
جاءت الفكرة من مُشاهداتٍ سابقة تقول بأنّ الأشخاص الذين يتعاطون الأسبرين للوقاية من الأزمات القلبية لديهم معدلات أقل للإصابة بالسرطان مقارنةً بعموم الناس.
وحتى في حالة إصابتهم بالسرطان، تقل احتمالات انتشاره لأعضاءٍ أخرى. حيث يعمل الأسبرين على جزيئات في الدم تسمى الصفائح، ويجعلها أقل لزوجة، ويُقلل هذا من احتمال تَشَكُّل الجلطات الدموية، ولهذا يُستخدم لعلاج أمراض القلب والأوعية الدموية.
وتقول إحدى النظريات أنّ الصفائح تُحيط بالخلايا السرطانية أثناء انتقالها في أنحاء الجسم، مما يجعلها أكثر خفاء أمام النظام المناعي، لكنها تقوم بهذا بكفاءةٍ أقل عندما يتناول الشخصُ الأسبرينَ، بينما تفترض نظرية أخرى أن الصفائح تُساعد السرطان على تثبيت نفسه في مناطق جديدة وإنشاء أورام جديدة.
وتُجرى حالياً العديد من التجارب حول العالم لدراسة مدى فاعلية استخدام عقار بروبرانولول propranolol أحد أدوية حاصرات بيتا (Beta Blockers)، المُستخدَمة لعلاج ضغط الدم المرتفع، في علاج سرطان الثدي والمبيض وبعض أنواع السرطان الأخرى. وبدأت هذه الدراسات إثر اكتشاف إمكانية استخدام البروبرانولول في علاج الوحمات غير السرطانية لدى الأطفال، والمعروفة طبياً باسم الأورام الوعائية الدموية.
قال نيكولاس أندريه، طبيب أورام الأطفال بمستشفى دو لا تيمون للأطفال في مرسيليا “قلنا لأنفسنا لو أن باستطاعتها علاج الوحمات، فهذا يعني قدرة هذه العقاقير على وقف نمو الأوعية الدموية، لذا يمكنها أن تفيد في علاج السرطان أيضاً”، وسيبدأ أندريه قريباً إحدى تجارب استخدام البروبرانولول لعلاج الساركومة الوعائية وهو أحد أنواع السرطان التي تؤثر على بطانة الأوعية الدموية.
هناك مرشحون آخرون أيضاً، حيث وضع مشروع ReDo قائمة من ستة عقاقير واعدة، بناء على انخفاض سميتها، ووجود آلية معقولة لعملها بالإضافة لأدلة قوية تشير إلى فاعليتها المحتملة في البشر.
وتحتوي هذه القائمة على: ميبيندازول (mebendazole) العقار المضاد للديدان الذي ذُكِر سابقاً، وسيميتيدين (cimetidine) مضاد الحموضة المُستَخدم لعلاج قرحة المعدة، والنيتروجلسرين المستخدم في حالات الذبحة الصدرية، بالإضافة إلى إتراكونازول itraconazole مضاد الفطريات واسع المدى، وكلاريثرومايسين المضاد الحيوي المستخدم في علاج ذات الرئة، وديكلوفيناك العقار المسكن للألم والمضاد للالتهاب.
وعلى الرغم من الحماس المحيط بهذه الأدوية، فالحقيقة إن دخول مرحلة التجارب السريرية هي عملية طويلة وشاقة، فعلى العكس من الثاليدومايد الذي لوحظت خواصه المضادة للسرطان في وقت مبكر نسبياً على يد شخص ذي علاقات مع أشخاص في قطاع التجارب السريرية، ما مكّنه من دفع الأمور قدماً، يتم تجاهل العديد من الأدوية الأخرى على الرغم من النتائج الأولية المبشرة على البشر.
شركات الأدوية
لماذا يحدث ذلك؟ من المؤكد أن شركات الأدوية شديدة الرغبة في الحصول على دواء فعال لعلاج السرطان، بسُمِّيَّة منخفضة، خاصة مع توقعات زيادة حالات السرطان بنسبة تصل إلى 70% خلال العقدين القادمين.
في المملكة المتحدة وحدها، من المتوقع أن يزداد عدد الأشخاص المتعايشين مع السرطان ليصل إلى 4 ملايين بحلول 2030، مقارنة بـ 2.5 مليون شخص في الوقت الحالي.
المشكلة هي أن العديد من الأدوية الموجودة الواعدة المشار إليها في علاج السرطان فقدت براءة اختراعها. ما يعني أنه “ليس من المضمون أن تنجح شركة الأدوية في كسب الأموال التي أنفقتها على التجارب السريرية، إذ يمكن لأي مُصّنِع آخر أن يأخذ الدواء ليصنعه ويبيعه بسعر أقل” كما قال بانتزياركا الذي أضاف قائلاً “يتعلق الأمر بعائد الاستثمار” فالتجارب السريرية يجريها الأطباء ومجموعات الباحثين الصغيرة “والذين لا يملكون الوقت أو الخبرة أو المال لاستخدام نتائجهم الإيجابية في تغيير الممارسة ذاتها”.
والمثير للسخرية أن أسعارها المنخفضة من ضمن الأسباب التي تجعل من الأدوية التي يعاد استخدامها للأغراض الأخرى، تمتلك صفة جاذبة. وقد ارتفع السعر المتوسط لأدوية السرطان الجديدة على مدار السنين الماضية، حيث كانت تبلغ أسعارها حوالي 70 جنيهاً إسترلينياً شهرياً خلال التسعينيات، لكنها ارتفعت 100 ضعف لتصل في الوقت الحالي إلى 7000 جنيه إسترليني شهرياً، ومن المتوقع أنه في حال استمرار هذه المأساة، سوف ترتفع 10 أضعاف أخرى عن سعرها الحالي بحلول عام 2035، لتصل إلى 70 ألف جنيه إسترليني، وذلك حسب ما يقول بول كورنس، طبيب الأورام بمركز بريستول لعلاج الأورام.
ويكمن جزء من الأسباب التي تقف وراء ارتفاع الأسعار الشديد لتلك الأدوية، في أنها تستغرق سنوات عديدة لاختبار مدى فاعلية وأمان أي دواء جديد يتم طرحه في الأسواق. ولكن مع تلك الأدوية المعاد استخدامها، فإن كثيراً من تلك الأسئلة أجيب عليها بالفعل.
يقول أندريه “نحن نعلم أنها آمنة نسبياً؛ لأنها تُستخدم على نطاق واسع. ومع ذلك، فنحن في حاجة إلى تجارب عملية جديدة وسليمة للتأكد من فاعليتها على السرطان، ولكي نحصل على التمويل المطلوب”.
ومع ندرة حجم الاستثمار الذي توفره شركات الأدوية، لجأت بعض المجموعات إلى طرق إبداعية لكي تُخضع تلك الأدوية للتجارب السريرية.
ففي نوفمبر/تشرين الثاني، رعى الأطباء في مستشفى سانت جورج حملة تمويل جماعية للحصول على 5000 جنيه إسترليني، بهدف إجراء اختبار متعلق بالفوائد التي يحققها دواء الأرتيسونات المضاد للملاريا على 140 مريضاً بسرطان القولون.
وفي دراسة مبدئية أُجريت قبل ذلك على 20 مريضاً، انتشر السرطان في جسم 6 من أصل 11 مريضا أُعطوا دواءً وهمياً، بالمقارنة مع مريض واحد فقط من أصل 9 حصل على دواء الأرتيسونات.
وفي تلك الحالة، يبدو أن الدواء كان يقتل الخلايا السرطانية مباشرة، ويكلف المرضى 70 قرشاً في اليوم فقط.
وعلى الرغم من تلك النتائج الواعدة، قد يستغرق الأمر أعواماً قبل أن نتأكد من فاعلية الأدوية المعاد استخدامها ضد السرطان، وحتى إن ثبت ذلك، فكيف ستكون الطريقة المثلى لاستخدامها. ولكن لسوء الحظ، يعد الوقت من مظاهر الرفاهية التي لا يمتلك مريض السرطان تحملها. وقد دعا هذا الأمر بعض المعنيين لأن يذهبوا بالقضية بأنفسهم إلى أبعد من ذلك.
علاج شخصي
وأحد هؤلاء هو بين ويليامز، أستاذ علم النفس التجريبي بجامعة كاليفورنيا بسان دييغو، والذي كان يعاني من سرطان شديد الانتشار في المخ يسمى “الورم الأرومي” في عام 1995، عندما كان يبلغ من العمر 50 عاماً. وعلى الفور خضع ويليامز لعملية، ثم خضع للعلاج الإشعاعي، لكن مستقبل شفائه بدا غامضاً؛ فمعدل الحياة بالنسبة لمرضى الورم الأرومي يصل إلى 15 شهراً فقط، وتزداد احتمالية النجاة لدى الأشخاص الأصغر عمراً. وتوقع ويليامز أن تنتهي حياته خلال نفس العام.
وبعد أن تأكد أنه ليس لديه الكثير ليخسره، بدأ ويليامز في البحث عن دواء آخر ليكمل العلاج الكيميائي الذي كان على وشك أن يبدأ فيه، من خلال الموسوعة الطبية الحيوية المعروفة باسم PubMed، والتي توفر دراسات منشورة عن الأدوية البديلة للورم الأرومي، وكثير منها كان من تلك الأدوية المعاد استخدامها. وعندما استطاع التعرف على دواء ذي صلة بمرضه، تواصل الأكاديمي مع الباحثين مباشرة ليسألهم عن معلومات أكثر ونصائح متعلقة بكيفية تناول الدواء. يقول ويليامز “كان جزء من إستراتيجيتي أنني كنت في حاجة إلى أن أجعل العلاج الكيميائي أكثر فاعلية، لأنه لم يكن يعمل في أغلب الوقت. فإن كنت تعاني من مرض قاتل، ستجد أنك تخوض بعض المخاطر من أجل هزيمته”.
ونتيجة لذلك، بدأ في تناول مجموعة من الأدوية المعروفة لعلاج حب الشباب والأرق وارتفاع ضغط الدم، فضلاً عن التاموكسيفين الذي يُستعمل لعلاج سرطان الثدي، والذي أثبتت دراسات سابقة أنه قد يساعد على تجاوز مقاومة العلاج الكميائي. ولم يشعر طبيب الأورام الذي يشرف على حالته بالتفاؤل من تلك المحاولات.
يقول ويليامز الذي سافر إلى المكسيك من أجل الحصول بعض الأدوية التي أرادها “قال لي: ستؤذي نفسك. لكني كنت أعرف أن الضرر من تناول تلك الأدوية أقل من الضرر الذي تتسبب فيه الأدوية التي يعطيني إياها الطبيب”.
ويضيف قائلاً “لقد كنت على علم تام بالمخاطر المصاحبة لذلك. لكن الميزة الكبرى في تناول الأدوية المعاد استخدامها أنك على علم بكثير من المعلومات المتعلقة بالسُمّيات المصاحبة لتلك الأدوية، لأنها استخدمت بالفعل لفترة طويلة”.
وفي حالة ويليامز، نجح العلاج، وعلى عكس الشائع بالنسبة لحالته، ظل جسده خالياً من السرطان حتى هذا اليوم. لكنه هو أيضاً يعترف أنه من بين المحظوظين الذين استجابوا بنجاح للعلاج الكيميائي، حيث يصف الأمر قائلاً “لن أعرف أبداً ما إذا كانت تلك الأدوية التي كنت أتناولها تسببت في إحداث فارق أم لا، ولن يستطيع أي شخص آخر أن يعرف ذلك”.
وعلى الرغم من ذلك، ثمة أسباب وجيهة تدعو المرضى لأن يتحدثوا مع الأطباء الذين يتابعونهم، أفضل من الاعتماد على تناول الدواء بأنفسهم، حتى إن كان ذلك الدواء غير ضار مثل الأسبرين. تقول لانغلي “أولاً نحن لا نعرف إن كان الأمر يعمل بنجاح أم لا. وثانياً، حتى إن كان الأسبرين دواءً شائعأً، فثمة آثار جانبية”.
وتضيف “هناك خطورة طفيفة من أن تتعرض معدتك لنزيف، أو الأخطر من ذلك أن تتعرض لنزيف بالمخ. فعلينا أن ندرس الأمر بطريقة سليمة، وأن نراقب مدى الآمان فيه بحرص”.
وينطبق الأمر على أدوية أخرى شائعة، والتي قد يكون لديها تأثير مضاد للسرطان، أو ربما ليس لديها ذلك. توضح لانغلي “حتى إن كانت تلك الأدوية ذات فاعلية، فإنها في النهاية أدوية ينبغي عليك أن تتناولها في الغالب لفترة كبيرة لكي ترى آثارها، وإلا ستدرك آثارها قبل أن تشهد مدى فاعليتها”.
وينصح بانتيزاركا أيضاً المرضى بأن يتعاونوا مع الأطباء الذين يتابعون حالاتهم، أفضل من أن يفعلوا ذلك وحدهم، وبكل تأكيد هو لا يعتقد أن الأدوية المعاد استخدامها تعتبر بديلاً للأساليب العلاجية التقليدية، حيث يقول “عندما نوفر المعلومات للناس، فإننا نشجعهم على الحديث مع الأطقم الطبية المسؤولة عنهم، وليس على أن يذهبوا بأنفسهم لتناول تلك الأدوية”.
بيد أن ليس كل الأطباء يفضلون الانفتاح على الطرق الجديدة، حيث يدرك بانتيزاركا ذلك جيداً. فقد كانت المرة الأولى التي يشعر فيها بالاهتمام بفكرة الأدوية المعاد استخدامها عندما كان التشخيص الذي حصل عليه ولده جورج يفيد بأنه يعاني من سرطان مزمن بعظمة الفك.
لذا فقد بدأ، مثلما فعل ويليامز، في البحث عن تجارب منشورة من أجل حالة ولده على موقع PubMed، ثم اتصل بالأطباء الذين يديرون تلك التجارب.
وكانت الاقتراحات التي حصل عليها تحيل حالة ولده إلى تناول دواء لمرض السكري يسمى “بيوغليتازون”، ومسكن ومضاد للالتهاب يسمى “سيليكوكسيب”، وأن يتناول المريض الدوائين معاً مع جرعات قليلة من العلاج الكيميائي.
يقول بانتيزاركا “لم تبدُ الطبيبة المعالجة لولدي إيجابية تجاه الأمر، حيث قالت: ليس لدينا أي تجربة متعلقة بتلك الأدوية. ولم تتمكن الحجة القائلة إن ملايين الناس يتناولون بيوغليتازون لعلاج السكري، من أن تجد صدى لديها”.
وفي النهاية اقترحت علي مجموعة مختلفة من الأدوية معتمدة على نظام اتبعه طبيب آخر من قبل في المستشفى الذي تعمل به. إلا أن تلك الوصفة لم تثبت أي فاعلية، بل وتسببت في زيادة سوء حالة جورج، الذي توفي في أبريل 2011، عندما كان عمره 17 عاماً.
يبدو الأطباء أكثر حرصاً لأسباب وجيهة، عندما يتعلق الأمر بوصف الأدوية غير المرخصة لمرض بعينه، حتى أن زملاءهم قد يظنون أنهم غرباء، وربما أيضاً يجدوا أنفسهم في مشكلة إن مرت الأمور على نحو خاطئ.
إلا أن دالغليش يعد أحد الذين ولدوا ليخوضوا غمار المخاطرة، حيث وصف تلك الأدوية المعاد استخدامها لبعض مرضى السرطان الذين يعالجهم، بل وينسق مع أطبائهم ويسألهم أن يصفوا تلك الأدوية عندما تكون ملائمة.
يقول دالغليش “لقد واجهت كثيراً من المتاعب بسبب هذا الأمر؛ فليس هناك مساحة لحرية القيام بأفضل الأشياء من أجل المرضى الذين أعالجهم، والسبب أنه لم يظهر بعد شخص يضع ملايين الجنيهات لكي يجري اختبارات على تلك الأدوية”.
ويبدو أن هذا الأمر ينبغي أن يتم التعامل معه على الأقل من خلال قانون الوصول إلى العلاج الطبي، الذي حصل على دعم وموافقة ملكية في مارس/آذار 2016. حيث يفوض
القانون وزارة الصحة لكي توفر قاعدة بيانات للعلاج الطبي المبتكر، بما في ذلك الاستخدامات غير المتداولة للأدوية الموجودة حالياً والمتعلقة بعلاج السرطان والأمراض الأخرى. ومع هذا، فإن الأطباء لن يحصلوا على الحماية ضد اتهامات الإهمال الطبي، في حال لم تسير الأمور على نحو سليم.
يقول نيك توماس سيموندس، النائب العمالي بمجلس العموم البريطاني عن مقاطعة تورفين “إن الأمر يهدف إلى رفع الوعي المتعلق بالاستخدامات غير الشائعة للأدوية المعاد استخدامها، وذلك لمواجهة المخاوف المتعلقة بوصف تلك الأدوية، وأيضاً لكي نتأكد أنها تُستخدم بصورة أكثر تنسيقاً عن طريق الأطباء أنفسهم”.
كما وافقت الحكومة على إضافة المعلومات المتعلقة بالاستخدامات غير الشائعة للأدوية لكتيب الوصفات البريطاني -وهو عبارة عن مطبوعة تشارك فيها الجمعية الطبية البريطانية وتتضمن معلومات رئيسية عن اختيار ووصف وصرف وتناول الأدوية- كما وافقت الحكومة أيضاً على تطوير خطة عمل لتيسير الحصول رخصة جديدة متعلقة باستخدام الأدوية في حال إثبات فاعليتها.
وجدت هيلين هيويت هي الأخرى، أن مركز علاج الأورام العام الذي تُعالج فيه، لا يرغب في وصف تلك الأدوية المعاد استخدامها، والتي توصلت هي إليها. لذا فقد وجدت عيادة خاصة في وسط لندن حيث استطاعت أن تحصل عليها بدلاً من ذلك. وبدأت هيويت في تناولها منذ سبتمتبر، إلا أنها استقبلت أخباراً محبطة خلال الشهر الماضي، والتي تفيد بأن الأورام الموجودة في رئتها يزداد حجمها.
وكانت الخطوة التالية هي الخضوع للعلاج الكيميائي، وهو العلاج الذي كانت قد خضعت له بالفعل قبل البدء في تناول تلك الأدوية، إلا أنها في هذه المرة قررت أن تتناول مجوعة الأدوية غير الموصوفة في الأساس للسرطان في نفس الوقت الذي تخضع خلاله للعلاج الكيميائي.
تقول هيويت “الأمل الذي يحدوني، وكذلك الاحتمال القائم، يبشران بأن تناول تلك الأدوية سوف يضعف الورم، لذا فعندما أخضع للعلاج الكيميائي فثمة فرصة أفضل أن يصير له تأثير”.
وليس بالضرورة ألا يكون ذلك الأمل يستحق أن تبذله، فإن حدث وأثبتت الأدوية البديلة فاعليتها، فسيوافق معظم الخبراء على أن يسيروا على تلك الخطى باستخدام مجموعة من الأدوية الأخرى، بعيداً عن الأدوية التقليدية التي يصفونها.
يقول أندريه “لا أؤمن بالطلقات السحرية، فتلك المجموعة من الأدوية ستكون جزءاً من الوصفات التي نصفها للمرضى، وما دامت لم تثبت احتوائها على سموم وأنها ليست باهظة الثمن، فيمكنك اللجوء إلى تلك الوصفات بسهولة أكثر من اللجوء إلى الأدوية التقليدية”.
المشكلة في الأورام أنها تتطور، ومعظم أدوية السرطان موجهة بالأساس ضد الأورام الجزئية. يقول بانتيزاركا “تخبرنا مبادئ علم الأحياء التطوري أن السرطان يعد نظاماً معقداً ومتكيفاً، يطور مقاومة لأي علاج مضاد”.
وتكمن الفائدة في تلك الأدوية الأقدم والمعاد استخدامها، في أنها في الغالب تُستخدم لعلاج كثير من الأمراض في ذات الوقت. فلنأخذ دواء الديكلوفيناك مثالاً، حيث يعد هذا الدواء سيئاً نسبياً؛ لأنه لا يهدأ الألم والالتهاب وحسب، بل وأيضاً يهيج المعدة ويزيد من خطر الإصابة بالنوبات القلبية والسكتات الدماغية.
وعلى الرغم من ذلك، فإن ذات الدواء قد يمنع أيضاً من نمو الأوعية الدموية، ويعدل نظام المناعة، فضلاً عن مساعدته في جعل الجسم أكثر حساسية تجاه آثار العلاج الإشعاعي والكيميائي. قد يكون دواءً رخيصاً وسيئاً، لكن الحبة الواحدة تمتلك كثير من الوظائف. لا ينبغي على المرضى أن ينظروا إلى العلاج المعاد استخدامه على أنه ترياق لجميع الأمراض، لكنه على الأقل يستحق أن يكون مصدراً للأمل.
هافغنتون بوست