شكل قرار وزارة العدل الذي أصدرته في خواتيم العام المنصرم والمتعلق بزيادة مقدار الدية من 30 ألف جنيه إلى 330 ألفا نقاشا مستفيضا من جهات عديدة، سيما وأن الجهات المعنية بالقرار وإنفاذه متعددة، وأكثر الاعتراضات على القرار محل الجدل جاءت مصوبة من شركات التأمين، باعتبارها معنية بشكل مباشر بسداد الديات المترتبة على الحوادث المرورية لعملاء شركات التأمين، محصلة تلك الاعتراضات على القرار أو بالأحرى الاعتراض على تطبيقه بذات المسوغات القديمة ودون مراجعة شاملة لمبالغ التأمين المدفوعة من العملاء، دفع بالجهات المختصة لإرجاء تطبيق زيادات الدية من بداية العام حتى الأول من مايو، ومجددا أرجئ التطبيق حتى مطلع العام 2017 م، بيد أن كل تلك المعطيات لم تحسم الجدل حول القرار وطريقة إنفاذه وما يجب مراعاته قبل التطبيق على أرض الواقع، بالرغم من الإقرار بوجهة القرار من حيث المبدأ، فحتى شركات التأمين لم تمانع في تطبيقه، غير أن لها تحفظات دفعت بها في هذا الخصوص.
إلتزامات متعددة
يرى مدير عام هيئة الرقابة على التأمين محمد موسى إدريس أن التأمين من حيث المبدأ هو إجراء يهدف لتغطية كل أو جزء من الخسائر المحتملة كنتيجة لحادث ما، مقرا بأن زيادة مبلغ الدية وفقا لما أصدرته وزارة العدل سيلقي بتبعات سالبة على شركات التأمين، ولحل هذه الإشكالية يشير موسى في حديثه بمنبر سونا أمس إلى وجوب أخذ تحفظات شركات التأمين والتعامل معها بشكل جدي، لضمان عدم تضرر أي من الأطراف، لافتا إلى أن الشركات لديها منصرفات مالية وإدارية أيضا ومن العسير عليها تحمل ما ورد من زيادات دون إعادة النظر في مبالغ التأمين المدفوعة من قبل المؤمن عليهم، وأشار إلى تعريف قانون المرور للتأمين بحسب نوع المركبة، فضلا عن إلزامه للمواطنين بضرورة الترخيص ابتداء، لافتا إلى أن تحديد قيمة المبلغ للضرر يتم من قبل المحكمة بناء على تقديرها لحجم الخطأ ونوعه وما يترتب عليه من ضرر، وعن تحديد المبلغ شدد موسى على أن الأمر تم وفقا لدراسات وبعد تمحيص ومداولات مستفيضة من جهات الاختصاص، مؤكدا على استصحاب الإحصائيات الرسمية الصادرة من سلطات المرور وفيها أرقام تفصيلية عن عدد المركبات ونسبة الحوادث وعدد المصابين والجرحى ومدى الأذى الجسيم الذي يصيب الركاب، وخلص إلى القول إن كل تلك المعطيات أخذت بعين الاعتبار، وزاد، وهو ما ينفي عن القرار اتخاذه اعتباطا وبلا دراسات وتدقيق محكم.
تحد كبير
ويمضي موسى في تشريحه للقضية وهو يقول بتوقعهم لتحد كبير في تطبيق القرار قبل صدوره، مضيفا أن تحديد قيمة الدية في السابق تم في وقت لم تكن توجد فيه مركبات مثلما هو عددها اليوم، كما أن نسبة الحوادث التي تتسبب في الوفاة لا يمكن مقارنتها بأي حال بما يحدث اليوم.
ضرورة التوعية
عقابيل صدور القرار الرامي لزيادة قيمة الدية من 30 ألف جنيه إلى 330 ألفا ما أنفكت الشكاوى تتردد كل حين من مسؤولي شركات التأمين، ما هو ثابت في أحاديث شركات التأمين هو ضعف الدور التوعوي المقابل للموضوع، وهو ما قال به رئيس اتحاد شركات التأمين السودانية، حسن السيد محمد، حيث شكا من عدم مناسبة الدور التوعوي حجم القضية، وقال إن الكثير من المواطنين لم يبدُ تجاوبا يوازي لحجم القرار الذي وصفه بالمؤثر على شركات التأمين وعلى المواطن كذلك، وقال حسن إن 60% من المركبات العاملة غير مرخصة إبتداءً، مضيفا أن الكثير من هذا العدد خارج مظلة التأمين، مرجعا الأمر لضعف ثقافة التأمين على الممتلكات والأرواح بالسودان، اللافت في حديث رئيس اتحاد شركات التأمين هو قوله صراحة بضعف الاستجابة من قبل المواطنين لتأمين ممتلكاتهم، كاشفا عن ذهابهم لبعض ملاك المصانع على سبيل المثال وتنويرهم بضرورة دخولهم تحت مظلة التأمين، بيد أنه أشار إلى أن خطوتهم تلك لم يتم مقابلتها بالتفهم من أصحاب المصانع، وقال بدو غير مهتمين بالأمر.
الترخيص والتأمين
الثابت أن هناك فرقا بين ترخيص المركبة وتأمينها، فترخيص المركبة يتم عند سلطات المرور بعد فحصها والتأكد من سلامتها من جميع النواحي، للسماح لها بالسير بعد معرفة صلاحيتها لذلك، فيما يكون التأمين عند شركات التأمين ضد المخاطر الناجمة عن الحوادث والسرقات وغيرها من الأضرار، مبديا استغرابه لوجود مركبات يقدر ثمنها بما يتراوح ما بين 300 إلى 600 ألف جنيه لكنها خارج مظلة التأمين، حيث يعمد أصحابها لترخيصها دون تأمينها، ورد الأمر مجددا لضعف ثقافة التأمين، وقال إن الاتحاد لا يمكنه فحص جميع المركبات وبطبيعة الحال لا يمكنه إلزام أحد بالتأمين دون رغبته، نافيا وجود أي شركة تأمين تتهرب من سداد ما عليها من إلتزامات تجاه عملائها، معلنا عن سداد شركات التأمين لما يفوق 900 مليون كمطالبات في العام المنصرم.
ودعا إلى الاهتمام بنشر ثقافة التأمين على الممتلكات وتحمل المسؤوليات الناجمة عنه، فالتأمين في أبسط صوره هو عبارة عن فكر تعاوني يهدف للتقليل والتشارك في تحمل المخاطر المحتملة.
نسب مختلفة
يعود مدير عام هيئة الرقابة على التأمين ليشير إلى اختلاف حجم قسط التأمين بحسب نوع المركبة، نافيا وجود أي استثناء للشركات من السداد، فبناء على تقدير المحكمة لحجم الضرر تلتزم شركات التأمين بسداد ما عليها من مطالبات سواء كانت دية أو تعويض أو جبر ضرر أو غير ذلك، وقال إن إرجاء تطبيق القانون حتى مطلع العام 2017م لإعطاء فرصة مناسبة لتوفيق الأوضاع التي أشار إلى أن شركات التأمين راهنا لا طاقة لها بتحمل هذه المطالبات في حال تم تطبيق القانون، وجزم بأن تطبيقه هكذا سيؤدي لإخراج الكثير من شركات من سوق التأمين، مقرا بوجود ثلاث شركات أعلنت تصفيتها رسميها نتيجة لعجزها عن الإيفاء بمتطلبات زيادة قيمة الدية في وقت لم تتوصل فيه الشركات لتفاهمات مع المؤمن عليهم ليصغ تضمن عدم تضرر أي من الطرفين من هذه الزيادات، وغير بعيد ذلك قال حسن إن الشركات في الأصل كانت تتحمل سداد مبالغ طائلة كمطالبات للتأمين.
الخرطوم : جمعة عبد الله
صحيفة الصيحة