قبل حوالي نصف قرن من الزمن، دخل رجل أسود عملاق (1.91 متر) إلى محل أحذية في مدينة زيوريخ السويسرية وسأل عن حذاء بمقاس 47.
بدا صاحب محل شويبخلر مرتبكاً، في وقت كان المارة يتهافتون في الخارج من أجل رؤية هذا الزبون الاستثنائي الذي لم يكن سوى أسطورة الملاكمة محمد علي كلاي الذي كان بحاجة إلى زوج حذاء جديد بعدما “أنهك” الزوج القديم في التدريبات التي أجراها على ثلوج جبل أويتليبرغ في زيوريخ.
والرجل الذي أوصل محمد علي إلى محل الأحذية كان المصور السويسري إيريك باخمان الذي رافقه طيلة الوقت خلال استعداداته للمباراة التي فاز بها على الألماني يورغن بلين في 26 (ديسمبر) 1971.
وفي مقابلة هاتفية مع باخمان من منزله في زيوريخ، تحدث عن سلسلة من الأحداث العفوية التي أوصلت محمد علي إلى محل الأحذية.
عرف عن الملاكم الأميركي الأسطورة الذي فارق الحياة الجمعة عن 74 عاماً، انفتاحه الملفت حيال رجال الإعلام طيلة مسيرته الرائعة، وهو الأمر الذي يميزه عن نجوم الحاضر الذين “يحاصرون” أنفسهم برجال الأمن.
كانت زيوريخ منبهرة بمحمد علي، والعرق لعب دوراً في هذه المسألة بحسب ما يتذكر باخمان الذي كان يعمل حينها لمجلة “رينغيير”.
في تلك اللحظة، اضطر الترام إلى التوقف بسبب تهافت الجمهور الذي حاول الحصول على توقيع محمد علي لدى دخوله المحل.
لم يتكبد باخمان عناء الذهاب إلى المطار لاستقبال محمد علي إدراكاً منه بأنه سيكون من الصعب عليه التقاط صور حصرية للملاكم الأسطورة بسبب وجود وكالات الأنباء السويسرية.
وفي اليوم التالي 17 ديسمبر ذهب باخمان إلى فندق أتلانتيس على أمل أن يتمكن من التقاط صور لمحمد علي وهو يتناول الفطور.
دخل محمد علي إلى الردهة وهو يرتدي ثياب التدريب، فلمح باخمان يلتقط الصور فتقدم منه وسأله إذا كان بإمكانه إرشاده إلى مكان يجري فيه تدريب الركض، فقلت له: “ليس هناك أي مشكلة. اتبعني. سأريك مكاناً جميلاً بإمكانك الركض هناك”.
وتوجه الرجلان إلى جبل أويتليبرغ المطل على زيوريخ.
والصور التي التقطها باخمان لمحمد علي، على ذلك الجبل موجودة في كتابه “محمد علي، زيوريخ” وهي تظهر الملاكم الشاب حينها وعلى محياه ابتسامة عريضة في طريقه نزولاً من الجبل ومحاطاً بالأشجار العارية مع ثلج خفيف على المنحدرات.
وفي إحدى الصور التي التقطها باخمان، كان محمد علي يمر بجانب رجلين مسنين من البشرة البيضاء يركضان صعوداً.
وأشار باخمان إلى أنه، ورغم أنه لم يشهد أي حادثة عنصرية خلال زيارة محمد علي، فإن رؤية رجل من جذور أفريقية بوزن 100 كلم وطول 1.91 متر يركض في جبال أويتليبرغ كان لافتاً للأنظار خلال تلك الحقبة.
كانت هناك “صدمة عند الناس الذين تساءلوا… (من هو) هذا الرجل الأسود”، بحسب ما قال باخمان، مضيفاً “لقد نظروا إليه ثم قالوا +عجباً، إنه محمد علي”.
وخلال تدريبات الركض سأل محمد علي مرافقه المصور: “هل هذا هو أعلى جبل في سويسرا؟” فأجابه باخمان بأن مون بلان في الجنوب هو في الواقع اعلى قمة في جبال الألب السويسرية.
ثم قال الملاكم الأميركي: “أنا الأعظم وأرغب بتسلق أعلى جبل في العالم”.
ولم يكن باخمان متأكداً إذا كان محمد علي يمزح أو جدياً بخصوص هذه المسألة، فاقترح على الأسطورة بأن يحضر له من أجل تسلق قمة إيفرست.
ثقب في حذاء محمد علي بالترافق مع المسار المبتل لجبل أويتليبرغ، وجد الملاكم الأسطورة نفسه بحاجة ماسة إلى زوج جديد من الأحذية وأراد معرفة أين بإمكانه إيجاد نفس النوعية التي يرتديها المقيمون في أويتليبرغ.
وتحدث باخمان عن هذا الموضوع، قائلاً: “قلت للبطل: حسناً، إذا أردت بإمكاني أن أريك لاحقاً أين يمكنك شراؤها”.
عاد الرجلان إلى الفندق ووجدا بأن سائق محمد علي غير موجود هناك، ثم ركب الملاكم الأميركي ومدربه الشهير أنجيلو داندي مع باخمان في سيارته الصغيرة وتوجهوا إلى محل شويباخلر في شارع لانغشتراس.
“كان متجراً عائلياً قديماً ولم يعرفوا في بادئ الأمر من هو” محمد علي بحسب باخمان الذي أضاف “كان محظوظاً لأنه كان يوجد هناك زوج واحد بمقاس 47”.
وبعدها بتسعة أيام، نجح محمد علي في إسقاط بلين في الجولة التاسعة من مواجهتهما في “هالينشتاديون” في زيوريخ، محققاً انتصاره الثالث على التوالي منذ عودته إلى الحلبة بعد انتهاء إيقافه بسبب رفضه الخدمة العسكرية والمشاركة في حرب فيتنام، وذلك في طريقه إلى استعادة لقبه العالمي للوزن الثقيل.
البيان