آخر حديث “الترابي” كان عن أهمية الحوار الوطني وضرورة أن يفضي إلى وفاق سياسي واستقرار
كنت ملماً بكل اللقاءات السرية التي جمعت الرئيس “البشير” بالشيخ “الترابي” بتفاصيلها
توقيع “أمبيكي” بجانب الحكومة على خارطة الطريق يلزمنا أن نقف وننتظر الآخرين
لم نتفق داخل الآلية على تاريخ محدد لعقد الجمعية العمومية وإنما مجرد اقتراحات
بثت فضائية “الخضراء” مساء أمس الأول، حواراً، أجراه، الأستاذ “الهندي عز الدين”، مع الأستاذ “كمال عمر”، الأمين السياسي لحزب المؤتمر الشعبي، والقيادي المقرب من الزعيم الإسلامي الراحل الشيخ الدكتور “حسن الترابي”. كان “كمال عمر” هو آخر قيادي التقاه “الترابي” قبل وفاته، وكان قربه من شيخ الحركة الإسلامية، منذ المفاصلة، موضوع جدل واسع وسط الإسلاميين، مثلما كان تمثيله للشعبي في تحالف قوى الإجماع الوطني، موضع جدل أوسع. وقد استحق “كمال عمر” أن يحمل صفة القيادي الأكثر إثارة للجدل، وهو يعبر عن مواقف حزبه، المؤتمر الشعبي، منتقلاً من صف المعارضة للالتقاء مع المؤتمر الوطني الحاكم عند منعطف الحوار الوطني، والذي لعب الشيخ “الترابي” دوراً كبيراً في طرحه وإعطائه ما يحتاجه من زخم.
الحوار الوطني، وما انتهى إليه، كان أحد موضوعات حوار “الخضراء” مع “كمال عمر”، عبر سلسلة من القضايا والمواقف والمحاور، التي تغطي جملة من الموضوعات، والذي تعيد (المجهر) نشره، في جزءين. فيما يلي الجزء الأول من الحوار.
{ كنت من المقربين للشيخ “الترابي” في السنوات الأخيرة. دعنا نتحدث عن آخر أيام الشيخ “الترابي”. ارتباطاً بالحوار الوطني مما دفع إلى الكثير من التساؤلات: ما هي الأسرار التي نستطيع أن تقول بتمسك “الترابي” بالحوار باعتباره مفتاح الحل للبلاد؟
_ الشيخ كان بفتكر إنو الوطن السودان يحتاج إلى جهد كبير جداً منه، ومن قيادات في سنه وفي تجربته. ولذلك يمكن دي أيامه الأخيرة وكانت وصياه كذلك في آخر يوم. وأنا يمكن أخ “الهندي” الله قدر لي، يوم (الجمعة) كنت معاهو، آخر قيادي كان يجالس الشيخ، حتى فجر (السبت) يوم الوفاة. أنا كنت معاهو، كان يتحدث بشكل أساسي عن الحوار الوطني، وأهمية الحوار. وأن قضية الحوار الوطني يجب أن تفضي إلى توافق سياسي يقود إلى استقرار.. الشيخ تقديراته من أول يوم لما جاء في الموقف، في القرار بتاع الحوار. وكما تعلم نحن كنا في مرحلة من المراحل في موقفنا السياسي، كنا نتحدث عن إسقاط. كنا داخلين في تحالف قوى الإجماع الوطني بشكل أساسي، وكل الحزب الذي يتقدم الصفوف في عملية الإسقاط والثورة الشعبية، ويمكن حتى نحن لما أخدنا القرار بتاع إسقاط النظام في داخل حزب الأمة كانت هنالك تقديرات مختلفة، لناس عندهم موقف من الحوار، الإمام “الصادق المهدي” وقتها قال الإسقاط دا، هو ضده. وبفتكر إنو الفش غبينتو حرق مدينتو.. وهو مع (السوفت لاندنق)، مع الكوديسا. وبفتكر إنو في الوقت داك إنو التوافق في الحل هو الأفضل، ونحن كان تقديراتنا بإنو السودان واسع مقبل على الاستفتاء، وتقديراتنا بأنو الانتخابات الجاية المعارضة يجب إنو تتوحد عشان تعمل تغيير، لكن كل هذه المساعي تولاها شيخ “حسن” مباشرة، لأن رؤيته كان يعتقد إنو المعارضة يجب أن تتفق حول الدستور الانتقالي، وبفتكر إنو عدم اتفاق المعارضة ممكن أن يقود إلى حرب أهلية، يمكن أن تتحول إلى ثورة، إلى حرب تعصف بالبناء الوطني كله. شيخ “حسن” بذل جهداً كبيراً مع مكونات المعارضة بشكل أساسي في حوارات طويلة معهم بما فيها حزب الأمة، بما فيها الحركة الشعبية قطاع الشمال، لكن هو أدرك تماماً إنو هذه المعارضة لا تتفق إلا على كراهيتها للمؤتمر الوطني، وبالتالي إنو ما فيها، وأدى لمرحلة انتقال يمكن أن تقود إلى الاستقرار، وجاء المؤتمر الشعبي، اتخذ قراره بالحوار، واتخذنا قرارنا بالحوار، لأنو نحن تجارب الربيع العربي أدتنا مواعظ، لأن كل الربيع العربي والثورات دي تحولت إلى حروب أهلية، عصفت بدول في تاريخها في البناء السياسي، هي أعرق من السودان، السودان فيهو قبلية طاغية أكثر من ستة ملايين قطعة بتاعت سلاح موزعة، معارضة غير متفقة، الدين ذاتو شيخ “حسن” كلمنا “وإن جنحوا للسلم فاجنح لها”، فأصل شيخ “حسن” لقضية الحوار، ودخل اليوم الأول عندما دعا الأخ الرئيس في حوار النفرة، دخل الحوار بست قضايا إستراتيجية أساسية بتمثل قضايا الأزمة. شيخ “حسن” تقديره إنو السودان دا من الاستقلال ما جلس الناس مع بعض، القوى السياسية ما جلست عشان تتفق على ماذا بعد الاستقلال، ولذلك أنا بفتكر إنو اتخذ قرار شجاع، قاد المؤتمر الشعبي بحنكة، قاد الواقع السياسي بـ…
{ (مقاطعة).. أخ “كمال” بالرغم من كل هذا الحديث فالبعض يعتقد أن الشيخ “الترابي” إنما أراد أن يتخذ الحوار الوطني مخرجاً.. ربما البعض يعتقد أن المؤتمر الشعبي في آخر الفترة كان بالنسبة للشيخ “الترابي” عبئاً ولذلك هو بعد مقابلاته السرية مع الرئيس “البشير” اعتبر أن مرحلة المفاصلة التي امتدت من 12/12/1999 إلى 2014 بعد مقابلاته مع الرئيس “البشير” التي بدأت بلقاءات اجتماعية.. اعتبر أن المفاصلة انتهت.. ولذلك كان يعتبر هذا الحوار مخرجاً؟
_ والله شوف التخطيط، شيخ “حسن” دائماً يكلمنا، ونحن شفناها في منهجه في الحياة. ودائماً بقول لينا نحن القرآن علمنا إنو التخطيط بتاعنا لي يوم القيامة. يعني ما يكون تخطيط محدود بزمن ولا بمواقيت زمنية محددة، بقدر ما أن القرآن علمنا، في الصلاة دي إنت بتخطط لآخرتك، ولذلك من وحي الفكرة دي شيخ “حسن” كان يخطط في المستقبل بتاع الحركة من أول يوم، وبقول لينا نحن ما عندنا عقد أسماء.
{ هل تعتقد أن التخطيط للمؤتمر الشعبي انتهت فكرته؟
_ طبعاً المؤتمر الشعبي شيخ “حسن” خطط للمنظومة الخالفة المتجددة، وحدد آجالاً للمؤتمر الشعبي بشكل أساسي، وما كان همه إنو المؤتمر الشعبي دا يستمر بالشكل بتاعو دا بقدر ما إنو المؤتمر الشعبي دا يمر بفترة انتقال، وفترة الانتقال دي هنا تقود إلى مؤتمر، والمؤتمر يقود إلى منظومة خالفة و…
{ مداخلة.. هل تعتقد أن كل هذه الأمور.. هل التغييرات التي طرأت على المؤتمر الشعبي تجاه قضية الحوار والتفاهم مع المؤتمر الوطني كانت نتاج هذه اللقاءات السرية مع الرئيس “البشير”؟
_ والله شوف، يعني معظم اللقاءات التي تمت، سواء بشكل اجتماعي ولّا بشكل…
{ (مقاطعة).. هل أنت كنت ملماً بها؟
_ أنا كنت ملماً بتفاصيلها كلها.
{ أول مقابلة جرت.. كيف؟
_ هي طبعاً المسألة ذاتها، يعني المقابلات ذاتها، تمت في البداية بشكل اجتماعي.
{ نعلم إنو الرئيس والشيخ “الترابي” التقيا في المقابر في دفن الشيخ “يس عمر الإمام” وكانت هذه بداية للتفاهم.. ربما الذي بدأ اجتماعياً ثم تحول إلى سياسي.. ثم من بعد ذلك كيف تمت اللقاءات؟
_ بعد ذلك تطورت اللقاءات الاجتماعية دي، وبعد ذلك في وفاة الأخ “عبد الحليم الترابي”، الأخ الأصغر لشيخ “حسن”، بلقاءات أيضاً مع الأخ الرئيس في مناسبات اجتماعية أخرى، وعقودات، وتمت لقاءات بيناتهم. بعد ذلك التقينا بهم لأول مرة بالمؤتمر الوطني في بيت الضيافة. وكان الحديث كله منصرفاً في الحوار الوطني، ومستقبل البلد، ودي طبعاً بعد ذلك تجسدت في أول خطاب طرحه شيخ “حسن”.
{ أستاذ “كمال عمر”.. بالنسبة للحوار الوطني الآن أنتم وصلتم للحوار الوطني.. في المؤتمر من يرى ويعتقد بأن الحوار الوطني هو المخرج الآن والبعض يعتقد أن المسألة تطاول بها الزمن.. هل الحوار الوطني الآن بين المؤتمر الوطني والشعبي؟
_ أولاً دا سؤال مشروع.. نحن ذاتنا في تقديراتنا من اليوم الأول عندما جلسنا ووضعنا خطة خارطة الطريق المسماة بنظم الحوار، حددنا آجالاً لهذا الحوار وحددنا قضايا الحوار. وحددنا اللجان وحددنا موفقين، وحددنا شخصيات قومية، يعني أنا في تقديري إنو مافي حوار في تاريخ السودان اتعملت فيه نظم وترتّب بهذه الطريقة، وترتّبت معه قضايا السودان كلها، من قضية الحريات والحقوق الأساسية إلى قضايا الحكم والهوية، إلى وحدة البلد، إلى العلاقات الخارجية، للاقتصاد.. هذه الست قضايا هي طبعاً قطعاً ليست قضايا المؤتمر الشعبي والمؤتمر الوطني، هذه قضايا الأزمة السياسية، صحي المؤتمر الشعبي هو الحزب الأكبر الآن في معادلة الحوار، والمؤتمر الوطني هو صاحب المشروع.. الله قدر إنو يكون دا الشكل. دا طرف المعارضة، ودا طرف الحكومة. ولذلك لتنظيم الحوار وتسميته بمسمى زي ما بتقول المعارضة حوار…
{ (مقاطعة).. لكن البعض يعتقد أن المسألة تطاول بها الزمن.. إلى أين وصل الحوار؟
_ أول حاجة الحوار من أول يوم واجهته تحديات مثل مسألة اعتقال الإمام “الصادق المهدي”، وانتقال بعض رموز المعارضة.. جاءت بعد داك الانتخابات.. بعد ذلك جاءت ظروف تانية، أخرى، متعلقة باستفتاء دارفور. بعد آخر حاجة جاءت خارطة الطريق (لجنة الاتحاد الأفريقي في أديس)، توقيع خارطة الطريق فتح مجال في إنو نحن عايزين نقول إنو ليس حوار بمن حضر، نحن عايزين نقول حوار لكل الناس، وبالتالي إنو توقيع الحكومة على خارطة الطريق فتح لينا مجال للتواصل، فتوقيع الخارطة، وبواسطة “أمبيكي” أصبح لزاماً علينا أن نقف وننتظر الآخرين. وكما تعلم إنو دار حوار بينا وبين مجموعة تحالف قوى المستقبل بغرض إشراكها وإدخالها الحوار. جرت اتصالات قام بها الأخوة القطريون مع حركتي (جبريل ومني)، وكان لا بد من الانتظار.. الإمام “الصادق المهدي” الآن تحرك ومشى لـ”أمبيكي” عشان يشوف خارطة الطريق وإمكانية التوقيع عليها، بقى في شعور حتى من المجتمع الدولي بأنو ضرورة توقف الحرب، لأنو في الحوار دا إذا مشينا- أخ “الهندي”- بالشكل دا وعملنا الجمعية العمومية، ومشينا طوالي لمخرجات الحوار، زي بنكون قفلنا…
{ متى تكون الجمعية العمومية؟ هنالك حديث قاله مساعد رئيس الجمهورية الباشمهندس “إبراهيم محمود” عن تاريخ.. ويبدو أن البعض الآخر بالحوار الوطني غير متفق على هذا التاريخ.. هل اتفقتم بالآلية على تاريخ محدد؟
_ نحن لم نتفق على تاريخ محدد وإنما مجرد مقترحات قيلت.
{ الآن الآلية في انتظار الجمعية العمومية أم هنالك أعمال أخرى؟
_ الآن الآلية لديها خطان تعمل بهما، خط تتحاور مع القوى الممانعة بما فيها الحركات المسلحة، ثم خط لعقد اجتماع للجنة التنسيقية العليا في رمضان، برئاسة الأخ الرئيس لتحديد الجمعية العمومية. وعايزين نكثف الجهد مع القوى التي تحمل السلاح، لأنو قضية الحرب هي بالنسبة لنا شاغل كبير، بالنسبة لنا….
{ القوى الممانعة.. الحركات المسلحة وبعض الأحزاب.. هل تعتقد بانضمام قوى أم موضوعات الحوار التي تصل إليها بالنهاية بالجمعية العمومية ومن ثم بعد ذلك تنضم الحوار ومن خلال لقاء الوثبة هنالك قوى لم تحضر اللقاء ولكنها استفادت.. وإلى متى تنتظرون الحركات المسلحة والإنقاذ نفسها على سنوات طويلة دخلت معها في حوار؟
ــ أعتقد- أخي “الهندي”- السؤال دا مهم جداً. نحن من أول يوم قلنا الحوار دا شامل، يجب أن يشمل الجميع. ومن أول يوم وصلت كل الدعوات لكل الأحزاب والحركات، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار. الأحزاب الممانعة هناك البعض التي ترى بأنها رافضة، لأن لديها شروطاً ولا يعقل أن هنالك سلطة بيدها، القوة والسلطة بأن تدعوك للحوار، وتقول إن لديك شروطاً.. وتفصل فيها كمان…!
{ نفس هذه القوى التي اعترضت على الحوار هي تحالف الإجماع الوطني الذي كنت أنت أحد قياداته وكرسي سكرتير الحزب الشيوعي بالحوار كان فارغاً. ولكن هذه الأحزاب نفسها هي أول من أقامت لياليها بموجب وعود الرئيس بلقاء الوثبة؟
_ هي كانت وعود ومن ثم ذهبت لتكون قراراً جمهورياً بالرقم (158) كفل بأن تعبر كل الأحزاب في ندوات مفتوحة.
{ ألا تعتقد بأن اعتقال “الصادق المهدي” كان انتكاسة للحوار الوطني؟
_ هو قطعاً، في وقتها حسب تقديري الشخصي انتكاسة. وفي وقتها تقديرات الإمام والسلطة لم تكن لصالح القضية الوطنية الكلية.
{ البعض يعتقد بأن أحداث الرابع من رمضان كانت تمثيلية.. وهل أنتم تحتاجون تمثيلية الحوار الوطني ليعود الوطني للشعبي أو العكس؟
_ الحديث رائج بالساحة السياسية بمرحلة من المراحل، والناس كانت تفتكر بأن الحوار مسرحية عشان نتلم مع الوطني. والكلام دا ما سليم. الحوار فيه ست قضايا ولو كانت مسرحية كان لدينا فرصة بأن نخرجها بصورة أفضل من هذه من خلال مشاركتنا بالحوار الوطني.
{ نعود للحديث عن اعتقال “المهدي” من جديد.. هل كان انتكاسة في وقتها؟
_ أنا اعتقد بأنه صدمة بالنسبة لمناخ الحوار. وكنت أتوقع بأن الإمام تقديراته أكبر من خلال قضية الوطن. وشيخ “حسن” في مرحلة من مراحل المفاصلة انسجن كتير، ولكن ما حصل عاين للخلف، ولا طلع برا ولا لجأ للمجتمع الدولي، ولا كان رؤيته زي المثل (الإمام الفش غبينتو وحرق مدينتو).
{ هنالك اتهام للمؤتمر الشعبي ولشيخ “حسن” بأن الشيخ (فش غبينتو) وأن حرب دارفور كانت جزءاً من هذه المسألة؟
_ الشعبي وشيخ “حسن” عمل فكرة كبيرة بإدارة السودان. وتحديداً باللا مركزية. وكان عندو دراسة لدارفور.
{ ولكن شيخ “حسن” كان دائماً يردد بأنه إذا أراد حل أزمة دارفور فإنه يستطيع خلال أيام؟
_ شيخ “حسن” لو أتيحت له فرصة في (48) أو (72) ساعة كما يقال لكانت أزمة دارفور حلت.
{ ألا تعتقد بأن يكون من الصعب للمؤتمر الشعبي بعد أن تفرقت هذه الحركات وأصبحت تدور حول إثنيات الآن استعصوا على الشعبي؟
_ هم ما استعصوا على الشعبي وإنما على الحل الوطني الشامل. والآن في إشكالية في المفاهيم والقبلية باتت السند السياسي وضعفت الأحزاب وضعفت الطوائف.
{ ماذا قال الحوار الوطني في موضوع القبيلة كحل؟
_ طرح القضايا الأساسية لتوحيد الناس، كيف يحكم الناس، ومزيد من الحريات، وشيخ “حسن” من خلال تجربة الـ(166) حزباً شغال في تأمين مستقبل السودان لذلك طرح المنظومة الخالفة، والناس الموافقين على المنظومة الخالفة أكثر من (122) حزباً.
المجهر السياسي