لا ينكر المرء تأثّره بمشاهد كليب أغنية هاني شاكر الأخيرة «رمضان كريم يا حلب»، فهي كلها مقتطعة من مجزرة حلب المستمرة، ومنظر الخبز مع الدم يشلع القلب. كذلك أصوات أهل حلب التي تخللت الشريط، فوق الموسيقى، تغضب وتبكي وتُحَوْقِل.
أداء هاني شاكر هكذا كان دائماً، حينما تنطق باسمه ستأتي على الفور عبارة «دايماً دموع»، ولعله يجد ضالته هنا، إذا لم يذرف المرء دموعه في خضمّ المجزرة، فمتى!
ليس مطلوباً من مغنّ مصري أن يقول الحقيقة كلها في أغنية، لكن على أن لا يكون مساهماً في التزوير، وفي تمويه القاتل.
في بدايتها تزعم الأغنية أنها على الحياد «رمضان كريم يا حلب، الله أكرم/ ما تقولش مين السبب أو مين بيظلم»، في إيحاء أن ليس مهماً من هم المتحاربون وماذا يريدون ما دام الضحايا من المدنيين، خصوصاً أن مقدمة الكليب كانت لمذيع نشرة الأخبار أكد فيها أن الضحايا جلّهم من المدنيين.
لكن المقطع التالي سيأتي ليؤكد الجواب، الذي يرمي إليه المغني «سوريا اللي كان مجدها بيبني ويعلى/ بيضيع، وضاع مجدها، طب مين ح يسلم؟». بعبارة أخرى يريد المغني أن يقول ما قاله كثير من السوريين، الموالين للنظام، خصوصاً: «كنّا عايشين»، أو أنه يريد أن يكشف عن تلك الجنة التي فقدناها للتوّ، جنّة العماء السورية، حيث الناس في السجون لعقود من أجل كلمة، أو حتى من دون ولا كلمة، وحيث تنهار سدود وأبنية بسبب الفساد، وحيث تتشقّق الأرض وتجفّ ويهاجر أهلوها ليعيشوا في خيام على أطراف دمشق أو درعا. هو ذا مجد سوريا. ومع ذلك، من قال إن الناس ترك لهم الخيار بين «جنة العماء» تلك، وهذه المقتلة الرهيبة.
القاتل واضح وساطع، بئس كل أغنية تتنصّل من تسمية الأمور بأسمائها. بئس كل أغنية ترثي تلك الجنة، وتقول للناس خسارتكم بدأت حين قررتم الانقلاب على ذلك «المجد»!
«الغارديان» تعتذر
تناولت الحلقة الأخيرة من «منتدى الصحافة» على قناة «فرانس24» اعتذار صحيفة «الغارديان» البريطانية عن تقارير صحافية نشرتْها من القاهرة، ثبتَ أن هناك شكوكاً حول مصادرها.
استضافت الحلقة ضيفين مصريين رسميين، نجاة عبد النعيم، مراسلة «الأهرام» في باريس، ومن القاهرة الصحافي في جريدة «الأخبار» عمرو كمال. وبدا أنهما سيسيّان (نسبة إلى الرئيس السيسي) حتى النخاع. عبد النعيم لم تقرأ ما ورد في «الغاريادن»، كما هو واضح، ولا يبدو أنها تقرأ غير «الأهرام»، وكان واضحاً كذلك أن الصحافة بالنسبة لها هي «الأهرام»، كما ظهر في زلة لسان ضحك لها من معها في الأستوديو، وهي راحت تستنجد بزميلها في القاهرة، الضليع بتكرار رواية مخابراتية حول مؤامرة كونية حول مصر، ترتكبها قنوات وإعلام الغرب.
وفي وقت كان ينبغي أن يحسب للصحيفة البريطانية العريقة اعتذارها، ومهنيتها، التي لم تقبل أن تسكت عن مراسل يقدم مصادر ملفقة، اعتبر عمرو كمال أن الصحيفة تخفي بهذا الاعتذار أخطاءها الكثيرة وأخطاء صحف كثيرة، أشار من بينها إلى وكالة «رويترز».
مقابل الضيفين المصريين كانت هناك الصحافية الكويتية مشاعل البشير، ولم يقل البرنامج شيئاً عن طبيعة عملها، أو المؤسسة التي تعمل فيها، وهي لم تستطع أن تقدّم وتغني وجهة النظر المقابلة، وقلّما أتيح لها الكلام أساساً. كذلك لم تقل مقدّمة البرنامج شيئاً بخصوص غياب ناطق باسم «الغارديان» يفترض أن يكون هو الأساس في حلقة كهذه.
ربما هو ضعف الإمكانات الإنتاجية، وربما هو مجرد كسل مهنيّ ما جعل الحلقة تظهر على هذا النحو، لكن، والزملاء في «فرانس24» أدرى، حين يكون العمل ناقصاً إلى هذا الحدّ، لن يكون في النتيجة إلا في خدمة حقيقة ناقصة، أي مشهد مزوّر. أمر قد تكون القناة الفرنسية نفسها يوماً إحدى ضحاياه.
أنزور تحت قبّة البرلمان
حين عاد المخرج السوري نجدت اسماعيل أنزور إلى دمشق، من «منفاه» الأردنيّ، في بداية التسعينيات من القرن الماضي، كان ذلك بمعيّة أبناء نائب الرئيس السوري حين ذاك عبد الحليم خدام. تمّت تسوية وضعه كمتخلّف عن أداء الخدمة العسكرية، ليقود بعدها مجموعة من الأعمال التلفزيونية ذاع صيتها وجلبت له شهرة استثنائية.
هكذا تدرّج أنزور في الخدمة، كان دائماً تحت الطلب؛ النظام السوري، ثم المملكة السعودية، قبل أن ينقلب عليها بأمر النظام، عدا عن مشاريع لم تكتمل.
أمس انتخب أنزور نائباً لرئيس مجلس الشعب السوري، إنها مكافأة لمن تفوّق على حَمَلَة السلاح أنفسهم حين طالب بقصف حواضن الإرهابيين من المدنيين بالبراميل المتفجرة.
لقد أعفي الرجل من الخدمة العسكرية، لكنه اضطر مقابل ذلك أن يخدم كل عمره.
سوزان نجم الدين ونيتشه
حرصتْ الممثلة السورية سوزان نجم الدين، التي ظهرت في حفل «الموركس دور» بنسخته الأخيرة في ستايل مارلين مونرو، أن توضّح لنقادها، المستغربين من توجّهها للجمهور باللغة الإنكليزية، أنها لم ترتكب خطأ حين فعلت ذلك، وأنها لم تتحدث باللغة العبرية حتى تهاجم إلى هذا الحدّ.
في الواقع ليست المشكلة هنا، بل في اعتقاد النجمة السورية أن الإنكليزية، غير الضرورية هنا باعتبارها تتوجه إلى جمهور عربي، كافية كي تجعل منها مارلين مونرو. المشكلة هي في أن تكون اللغة مفتعلة ومتكلّفة، بل ومائعة إلى هذا الحدّ الذي بدا عندها.
كذلك الأمر لم يكن الموقف يحتاج شهادة الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه كي نقول لجمهور «الموركس دور» أن الحياة بدون الفن والموسيقى خطأ. نيتشه كان هذه المرة في المكان الخطأ. نيتشه لا يصلح لأن يكون جزءاً من عدّة مارلين مونرو، وطبعاً ولا من عدّة سوزان نجم الدين.
القدس العربي