تلاحقهم النظرات العنصرية ولعنة الغربة سودانيو المهجر.. معاناة لا تنتهي (1)

الخليج.. استعادة ذكرى أيام الجاهلية
ليبيا.. قتل.. اضطهاد.. ابتزاز

ألمانيا.. اللون الأسود يجلب المضايقات
إسرائيل.. عنصرية في وضح النهار

سليمان مغترب في المملكة العربية السعودية، أو من الأفضل أن نعبر عن حالته بأنه سوداني تقطعت به السبل في أرض الحرمين الشريفين، قصته تعيد إلى الأذهان ما كانت عليه جزيرة العرب في عهود الجاهلية، لأن كفيله الذي أحضره من السودان غادر الحياة، والذي انتقلت إليه الكفالة لا يعرف له سليمان وجهة محددة لأنه غادر المملكة السعودية، ليظل السوداني الذي هاجر بحثاً عن تحسين وضعه الاقتصادي مثل السجين بل الأشد إيلاماً أن أبناءه الأربعة لم يرتادوا المدارس حتى الآن رغم وصولهم مرحلتها، وذلك لأنهم مثل والدهم لا يحملون أوراقاً ثبوتية، ويندب سليمان حظه وهو يحكي بحسرة وألم معاناته وعدم مقدرته علي فعل شيء، ويلخص حاله قائلاً”أنا جيت أحسن حال أولادي لكن دمرتهم، نحن الآن زي العبيد ما عندنا صك الحرية، يا ريت لو فضلت في السودان بالجوع والفقر أفضل من الجهل والبطن مليانه”.

ليبيا.. قتل.. اضطهاد.. ابتزاز
وما سليمان إلا نموذج يوضح واقع الكثير من السودانيين في بلاد المهجر بمختلف دول العالم والذين فضلنا فتح ملفهم عقب اعتراف الدولة بأن ثمة عقبات وصعوبات تواجه بعضهم، وفي حلقتنا هذه نستعرض جزءاً يسيراً من المعاناة، وهنا يشير العائد قبل أيام من لبييا الشاب الثلاثيني حسن في حديث لـ(الصيحة) الى أن معظم السودانيين المقيمين في الجماهيرية التي شهدت تغييراً في الحكم تبدو أوضاعهم في حاله يرثى لها، مبيناً معاناتهم من الاضطهاد الذي قال إن ظاهرته بدأت في التنامي عكس ما كان عليه الوضع في السابق، وأضاف: التعامل مع المهاجرين السودانيين في ليبيا غير ثابت، وهذا ما دفع عدداً مقدراً منهم للعودة الى الوطن. وفي الفترة الأخيرة فإن السوداني كثيرًا ما يتهم في معظم الأحيان زوراً وبهتاناً بالوقوع في ممارسات غير قانونية مثل ممارسه الدجل أو الدخول بطريقة غير شرعية، وأردف: أما الإقامات وتوفيق الأوضاع من ناحيه قانونية فقد تحول بعد نظام القذافي الى لـ(كنتونات) أي مقاطعات، وأصبح الحكم يتسم بالجهوية و(الميليشاوية)، وهذا عرض الكثير من السودانيين للقتل والابتزاز والتعامل المزاجي بجانب الاعتداءات المتكررة من قبل المليشيات المسلحة التي أصبحت تحكم ليبيا، وأضاف حسن بأن السوداني في كثير من المدن اللبيية لا يسلم من الاعتداء الجسدي بغرض السرقة، وقال إن بعض الأساتذة الجامعيين من السودانيين يتعرضون لمضايقات عبر اختطافهم والمطالبة بفدية لإطلاق سراحهم، إلا أن مثل هذه الحوادث بحسب الشاب حسن وجدت استنكاراً من الشعب الليبي، ويعزو التفلتات الى غياب الدولة والقانون، وقال إن المواطنين الليبيين يعانون أيضاً من ذات الأمر، وقال إن دور السفارة السودانية والقنصلية في بنغازي لم يعد لهما دور نتيجة للتفلتات الأمنية، وحتى إدارة الجالية لا تسطيع الوقوف بجانب السودانيين في معاناتهم وظروفهم الصعبة.

السعودية والعودة للجاهلية
تلك كانت إضاءة لما يتعرض له السودانيون في ليبيا، في ظل عدم الاستقرار الأمني ورغم ذلك يتوجهون نحو الجماهيرية هرباً من الواقع المتردي في البلاد.

أما الأوضاع في الخليج فهي تتفاوت ولكن بحسب مغتربين تحدثوا لنا فإن عدداً مقدراً من المهاجرين السودانيين يعانون ظروفاً صعبة خاصة فيما يتعلق بالإقامة والكفالة والأجور وتعليم الأبناء، وفي هذا الصدد تشير العائدة من المملكة السعودية نهلة محمد صالح في حديث لـ(الصيحة) الى أنها قضت فترة طويلة بالسعودية ووقفت على معاناة الكثير من الأسر السودانية مع الكفلاء الذين يتعامل بعضهم مثلما كان يفعل العرب في الجاهلية، وتشير إلى أن الأجور المتدنية تمثل هاجساً للكثير من المغتربين الذين لا يعرفون ماذا يفعلون حيالها، لافتة إلى أن السعودية رفعت يدها عن العلاج والتعليم، ولم يعد الأجنبي يتمتع بمزايا كثيرة مثلما كان في الماضي، وكشفت عن أن الكثير من السودانيين ظلوا لفترات طويلة دون عمل أو يتقاضون أجوراً زهيدة، وهذا جعلهم يفضلون البقاء بالمملكة رغم ظروفهم المتردية، وذلك لأنهم لا يمتلكون ما يعينهم على الحياة في السودان. وأضافت: “يعني بيأكلوا وبشربوا بس”. معتبرة الكفالة من أكثر القضايا تعقيداً، وقد دفع بسببها سودانيون أعمارهم عطالة أو سجناً أو عودة للوطن دون فائدة حصدوها من اغترابهم، وكشفت أن بعض الكفلاء السعوديين باتوا يأخذون نصيباً من راتب المغترب، وهذا يسهم في تراجع دخله وعائده الشهري.

أجور متواضعة
أوضحت نهلة محمد أن السودانيين من أصحاب الأجور العالية والأوضاع الجيدة لا يواجهون معاناة تذكر في السعودية ولكن ـ والحديث لنهلة ـ يشكل لهم أمر السعودية هاجساً كبيراً، وذلك لأنه من الممكن الاستغناء عنهم في أي لحظة، وتشير إلى أن دولة قطر اتجهت أيضاً في الفترة الأخيرة الى انتهاج سياسة السعودية في التقشف ونتاج لهذه السياسة، فقد تم تخفيض الكثير من العمالة الأجنبية بالإضافة إلى إحلال بعض الوظيفة التي يشغلها أجانب بمواطنين خليجيين، وقالت إن شركات البترول، بل حتى قناة الجزيرة خفضت من عمالها وموظفيها، وتعتبر نهلة أن الوضع في قطر أفضل حالاً من السعودية بالنسبة للمغتربين خاصة فيما يتعلق بالكفالة والمستوى المعيشي والأجور.

سودانيون داخل السجون
ويشير مغترب يدعى مصطفى إلى أن السجون بعدد من دول الخليج ومنها الإمارات والسعودية تضم عدداً مقدراً من السودانيين المتهمين في جرائم جنائية مثل الدجل والشعوذة والاتجار في المخدرات، معتبراً في حديث لـ(الصيحة) اتجاه البعض من السودانيين نحو الأعمال غير الشرعية نتيجة للضغوط التي يعانون منها، وكشف عن تعرض سودانيين آخرين إلى مصير السجون دون ارتكابهم لجناية، وقال إن الكثير منهم أبرياء، وضرب مثلاً بصديقه الذي قال إن السفارة تجاهلته، ولم تقف بجانبه، مبينًا أن الكثير من السودانيين يتعرضون للطرد من المملكة العربية والإمارات نتيجة لأخطاء ليس لهم فيها يد وحسن تعاملهم وظنهم سبب مباشر في ضلوعهم في جرائم دون قصد، وكشف عن وجود سودانيين في السجون بعدد من دول الخيج لسنوات دون أن يجدوا من يقف بجانبهم.

معاناة
كباشي شاب ثلاثيني تعرض للاضطهاد من كفيله نتيجة لمطالبته بالتأمين وزيادة الراتب، ويسرد قصته لـ(الصيحة)، مشيرًا إلى أنهم مجموعة من السائقين السودانيين يعملون في شركة منذ خمسة أعوام، ولأن الأجور الشهرية حسب اعتقادهم دون الطموح ولا توزاي ما يبذلونه من جهد طالبوا بتعديلها، ويقول رغم إن هذا حق قانوني إلا أن إدارة الشركة بحسب كباشي ظلت تماطلهم لمدة عام كامل، ويشير إلى أنه ورغم عملهم في قيادة الشاحنات لرحلات طويلة وشاقة إلا أنهم لم يتم إدراجهم تحت مظلة التأمين، ويقول إنه وفي حالة تعرض أحدهم لحادث حركة وبدلاً عن تعويضه فإنه يتم خصم مبلغ من راتبه، وكشف عن أنه غير مسموح لهم بتلقي العلاج في المستشفيات الحكومية، وأردف: وحيال هذا الظلم رفضنا نحن مجموعة من السائقين السودانيين أن تخصم منا مبالغ في حالة وقوعنا في حوادث حركة لأن العربات كان عليها تأمين ولا يعقل أن يتم خصم الخسارة منا نحن، وبرروا الخصم بأنه عقوبة للسائق، وبعد أن طفح كيلنا قررنا الدخول في إضراب وللأسف الشديد فإنه تم فصلنا عن العمل وترحيلنا إلى السودان دون حقوقنا وأمتعتنا، ويؤكد كباشي أن مفردة العبودية أقل تعبير عن الذي يتعرض له عدد كبير من السودانيين بالسعودية، ورغم ذلك يكشف عن نيته العودة مجدداً إلى المملكة العربية السعودية ويبرر خطوته هذه مستندًا على المقولة الشائعة” لم يجبرني على المر إلا الذي أكثر مرارة منه”.

إسرائيل.. الجنة الموعودة
في تحقيق لـ(الصيحة) كشف البعض أن السودانيين من أكثر اللاجئين الذين يعانون من المضايقات بإسرائيل التي أغلبها كما كشفوا تعود إلى أسباب العنصرية البغيضة التي تمارس عليهم ليست من قبل السلطات هناك كما أنها ليست من اليهود الإسرائيليين، ولكن يعانون أكثر من قبل مجموعات اليهود العرب بإسرائيل والذين غالباً ما تكون بلدانهم الأصل هي ليبيا، مصر، تونس والمغرب. ويقول أحمد من وسط السودان والمقيم بمدينة تل أبيب: لا تواجهنا أي مضايقات من قبل اليهود أصحاب البلد ولكن تواجهنا عنصرية بغيضة من قبل العرب لدرجة أن المضايقات التي تحصل من قبل السلطات المحلية تحركها المجموعات العربية اليهودية، وظلوا على الدوام يرفضون وجودنا، وذلك بتسيير مظاهرات لتحريك الحكومة والمواطنين ضد اللاجئين وخاصة السودانيين، ثم أضاف: العرب اليهود أكثر كراهية للسودانيين والارتريين هذا ما جعل السودانيين يتحاشون الاختلاط بهم رغم أنهم أقرب الجنسيات للسودانيين، العرب اليهود يعملون على تحريض أصحاب العمل بعدم تشغيلنا، فاليهود من أصحاب البلد أكثرهم صدقاً في عند تشعيل العمالة الأجنبية، ويعطون الأجير حقه قبل كل شيء وأجورهم مجزية عكس اليهود العرب الذين لا يلتزمون بإعطاء العمالة حقها وإذا حدث وأن عملت مع أحد العرب اليهود، فإنه لا يعطيك حقك ولا يدفع لك سوى المصاريف وعندما ينتهي العمل بعد ستة أشهر أو حسب المدة المتفق عليها يتهرب ويغلق تلفونه وهم دائماً يرددون كلمة (نحن اخوات) حتى يتهرب مما دفع الكثيرين منا بتكليف محامين من اليهود أصحاب البلد لمقاضاتهم في المحاكم، أما اليهود الأوربيون والأمريكان تعاملهم يختلف تماماً من العرب اليهود القادمين من الدول العربية.

ألمانيا.. العنصرية تفرض وجودها

أما بدولة ألمانيا فرغم تقدمها وتطورها إلا أن عدداً مقدراً من السودانيين الموجودين بها يواجهون معاناة حقيقية بسبب العنصرية بسبب البشرة السوداء، وهذا ما يشير إليه أمجد وهو شاب سوداني مقيم في برلين وقد تحدث إلى (الصيحة) عبر وسائل التواصل الإلكتروني، وقد أكد أنه شهد العديد من الأمثلة للتعامل العنصري من قبل الشعب الألماني تجاه السوداني ويقول: قبل أيام كنت شاهداً على واقعة تعرض فيها سوداني للمضايقة من قبل الشرطة الألمانية وتعرضت إنسانيته للانتهاك بدعوى أنه دخل البلاد بطريقة غير شرعية، ويقول إن تعاملهم غير المتحضر دفع عدداً من أصحاب البشرة السوداء من جنسيات مختلفة للوقوف بجانبه، ويؤكد أمجد أن هذا السلوك موجود في معظم الدول الأوربية، ويبدي أمجد حسرته على المضايقات التي يتعرضون لها، وقال إنهم هاجروا من السودان بحثاً عن أوضاع أفضل بعد أن ضاقت عليهم أرض النيلين بما رحبت ولكنهم حتى في أروبا فإنهم يعانون من العنصرية والضغوط التي لا تتسق مع ما تعلنه الدولة الأوربية من مبادئ إنسانية.

غياب للسفارات وانقسام داخل الجاليات
يتفق الثلاثيني حسن العائد من ليبيا وأحمد في بلجيكا وعثمان في فرنسا وهم يتحدثون لـ(الصيحة) عن أن السفارات السودانية في معظم دول المهجر لا تلعب أدواراً مقدرة تحفظ لهم مكانتهم وترد إليهم حقوقهم المهضومة، على عكس الكثير من السفارات التي تقف مع رعايا دولها في مختلف القضايا وتعمل على دعمهم ومساندتهم، ويشير حسن إلى أن بعض الأسر السودانية في ليبيا وعندما يتوفى عائلها فإن الأبناء يتشردون ولا تعمل السفارة على إعانتهم وإعادتهم إلى السودان، أما الشاب الذي ظل مقيماً في بلجيكا منذ خمس سنوات فقد رد على تساؤلنا حول دور السفارة السودانية بتهكم وقال” أول مرة أعرف إنو عندنا سفارة في بلجيكا” وكأنما أراد من حديثه هذا التأكيد على غياب دور السفارة وعدم رعايتها لشؤون الجالية السودانية، وقريباً منه مضى عثمان المقيم في باريس والذي أكد أن عدداً كبيراً من أفراد الجالية السودانية خاصة شريحة الشباب يواجهون صعوبات جمة، ولكن لم يسبق للسفارة أن وقفت بجانبهم، يؤكد ثلاثتهم أن سودانيين يقضون فترات طويلة بالسجون في الدول الثلاث ولا يجدون مسؤولا من السفارة يقف بجانبهم ولو عبر الزيارة وتفقد أحوالهم ودعمهم معنوياً ناهيك عن العمل على حل مشاكلهم.

تحقيق: بهجة معلا
موقع الصيحة

Exit mobile version