السودان والكتاب الجاد

يبدو أن هناك أزمة حقيقية تواجه المثقفين السودانيين، تتعلق بالكتاب الجاد وكيفية الحصول عليه. فمن الواضح أن “استيراد” هذه السلعة المعرفية الحيوية أصبح أمرا متعثرا جدا، ومرتبطا للأسف بكل التعقيدات الاقتصادية الأخيرة التي يمر بها السودان، وعلى رأسها أزمة “سعر الدولار”، وهذا الوضع أثر كذلك على طباعة ونشر الكتاب داخل البلاد، وحد بالتالي من كم وكيف العدد السنوي المنشور من كتب لكتاب سودانيين جادين. نعم هناك محاولات للمقاومة من أصحاب المكتبات التاريخية والحديثة، إلى جانب سوق الكتب المفروش، لتوفير الكتب الجادة بشتى السبل والطرق؛ لكن ما يحدث في النهاية أن وصول هذه الكتب القارئ يأخذ دورة طويلة تأخر من عمليه استقباله للحد البعيد.
في السابق، قبل سنوات ليست بالكبيرة، أسهمت الروابط الطلابية والجهات الحكومية متمثلة في وزارات الثقافة، في تنشيط معارض الكتاب على طول وعرض السودان، إذ كان فصل الصيف “موسم الإجازات” هو فصل الكتاب وعرضه وبيعه واقتناؤه، بامتياز، وكانت الكتب – رغم اختلاف الزمنين – تحضر إلى السودان طازجة فور خروجها من المطابع، لم يكن هناك أي تخلف معرفي لمن يهتمون باقتناء أهم وآخر المطبوعات، أما الآن فإذا نظرت فقط إلى أهم فعالية للكتاب السنوي في السودان وهي معرض الخرطوم الدولي للكتاب فستفهم تماما كيف تبدل الحال، وأن الكتاب الجادة سابقا حل مكانها كتب ومنشورات هزيلة تملأ أجنحة هذا المعرض كل عام وتصرف رواده عنه لعدم جديتها وخوائها.
زيارة عابرة إلى أي معرض للكتاب في أي دولة عربية ستبين الفرق الشاسع بين ما يعرض في هذه المعارض وما يعرض في الخرطوم، ومراجعة سريعة لعناوين الكتب على مواقع الإنترنت ستوضح مدى التراجع الذي وصلنا إليه في هذه النقطة، فوتيرة النشر ازدادت بشكل فوق المتصور، أما آلية “الاستقبال” في السودان فتراجعت وتدهوت إلى الحد الذي يجعلنا – ربما – في قائمة آخر الدول القارئة.

Exit mobile version