“المشاء” هو برنامج بحثي وتوثيقي، تبثه قناة الجزيرة منذ نحو عامين تقريباً، و”المشاء” وفق تعريف ذات القناة هو كائن مهموم ثقافياً، اهتدى إلى فكرة أن يمشي من المحيط إلى الخليج، ورأى أن يعرج على أهم المدن العربية، كما جاء في إحدى صفحات “الجزيرة نت” ويتم بثه مساء كل (خميس) مع إعادة بثه أيام (الجمعة) و(السبت) و(الأحد) و(الاثنين) في أوقات مختلفة.
الفكرة مأخوذة من الفلسفة المشائية العربية التي تعود إلى الفيلسوف اليوناني “أرسطو طاليس” الذي كان يدرس تلاميذه، وهم يتمشون في الحديقة، على عكس “أفلاطون” الغارق في أكاديميته.
من بين الأسئلة الجوهرية التي يطرحها “المشاء” من خلال موقع “الجزيرة نت” سؤال مهم هو: أين يبرز التكامل الثقافي بين المشرق والمغرب؟، وهل هناك قطيعة بينهما؟ وهل هناك خيط ثقافي عربي يمتد فعلاً من المحيط إلى الخليج؟ وما هي مكوناته العربية وغير العربية؟
الفكرة رائعة.. بديعة ومبدعة، فبرنامج “المشاء” يعتبر نموذجاً لبرنامج ثقافي يقدم صورة مقربة لمبدعين عرب من خلال التعريف بمدنهم ومحطات حياتهم المهمة، وهم من المؤثرين على مجتمعاتهم المحلية والوطنية والإقليمية.. وربما العالمية.. وقد وصل إلى الخرطوم قبل أيام فريق عمل متكامل من قناة الجزيرة، وطاقم فني محترف جاءوا وقد اختاروا الرمز الثقافي المبدع البروفيسور “علي محمد شمو” ليكون ضيفاً على قناة الجزيرة لحلقتين، وتقدم ذلك الفريق منتج البرنامج الذكي الأستاذ “حسن المرزوقي”، وهو من الشباب التونسي البارع، المتمكن من عمله، المستند على خلفية فلسفية أعانته كثيراً وسوف تظل تعينه في تفسير الظواهر الإبداعية وعلاقتها بالمبدع والمثقف العربي. وقد بدأ التصوير بالفعل مع البروفيسور”علي محمد شمو” منذ مساء أمس الأول، وتواصل بالأمس في الفترتين الصباحية والمسائية، وقد يمتد حتى يوم (الجمعة) القادم، فالبرنامج لا يترك شاردة ولا واردة في حياة المبدع إلا وأمسك بها، وتعرف عليها وأحاط بها حتى يلم هو والمشاهد بالتفاصيل الكاملة، الواضحة والخفية حول الوقائع والأحداث.
نسعد كثيراً بأن يتصدر أستاذنا وأستاذ الأجيال البروفيسور “على محمد شمو” هذا المشهد العريض في الأفق الثقافي العربي مع الرموز الضخمة، ونسعد بأن يكون السودان مسرحاً للحدث والحديث. وقد ذكر لي منتج البرنامج الأستاذ “حسن المرزوقي” أن الحلقة التي تم تصويرها مع البروفيسور “علي محمد شمو” هي من الحلقات القليلة التي تم تصويرها داخل بلد المبدع.. لأن الكثير من الحلقات تم تصوريها في المهاجر التي اختارها بعض المبدعين مراكز لإقامتهم، خاصة في الدول الأوروبية.. أما بالنسبة للسودان فإن المسرح سوداني والضيف والطبيعة وكل تفاصيل البيئة وكل المكونات الثقافية والمهنية ارتبطت بأرض النيلين.
وسعادة صاحبكم بهذا العمل الفني والثقافي التوثيقي والبحثي أعظم من سعادة الآخرين به لعدة أسباب قد تكون الإشارة إليها سابقة في مقدمة هذه المادة ومتنها، لكن السبب الأكبر والأعظم هو اختيار البروفيسور “علي محمد شمو” لصاحبكم ليكون هو “المشاء” الذي يحاوره، وذلك لأن فكرة البرنامج تقوم على أن الضيف الرئيسي هو الذي يختار من يحاوره، ممن هم أدرى بأثره الثقافي، كما أنه يشترك في اختيار شخصية ثالثة من اختصاص فني مختلف تكون خلفية جمالية، وفي ذات الوقت تكون إضافة فنية ونوعية للصورة.
قطعاً ذلك الاختيار هو قلادة فخر واعتزاز تزين تاريخ صاحبكم المهني يظل يعتز بها طوال عمره، والحوار نفسه لا نغرق فيه كثيراً في محيط الفعل التاريخي، بل يكون نجمه اللامع والأشد إضاءة هو الراهن الثقافي العربي الذي يعكسه البرنامج مع الربط المحكم مع شخصية الضيف .. والمدينة.