تعديل قيمة الدية الذي أُعلن مؤخراً ما زال صداه واسعاً بين الرفض والقبول نظراً للمعادلة الاقتصادية، وما يترتب على هذه الزيادة من تبعات والتزامات تجعل من الصعوبة توفيق الأوضاع فيها, خاصة وأن الزيادة فاقت الألف في المائة، يا تُرى الى أي مدى ينظر أصحاب شركات التأمين لهذا القرار؟ هل هو بمثابة خروج من الخدمة؟ أم أن توفيق الأوضاع يحتاج الى تدخل صناع القرار وإنشاء صندوق دعم لدفع الدية الجديدة؟ وغيرها من تساؤلات تطرحها (اليوم التالي) في هذه المساحة .
على خلفية القرارات الجديدة اتجه اتحاد شركات التأمين لزيادة قيمة تأمين السيارات وفق قرارات هيئة الرقابة الشرعية للتأمين، مما أدى إلى تضاعف أسعار بوليصة التأمين على المركبات، فقد رفعت الغالبية العظمى من شركات التأمين أسعارها بنسبة 200 % وذلك لمواجهة تغطية تلك الحوادث، وكانت إحدى شركات التأمين قد وزعت يوم أمس تعميما على جميع فروعها في السودان يوصي بضرورة تنفيذ ما جاء فيه من خلال تطبيق الرسوم الجديدة على عملاء الشركة حيث قررت الزيادة في أسعار التأمين على المركبات الصغيرة الأكثر طلبا لتقفز القيمة أكثر من (76 %) زيادة.
وكانت دية القتل الخطأ وشبه العمد ظلت ثابتة منذ عدة أعوام عند (30) ألف جنيه، إلا أن ارتفاع أسعار (الإبل) في السنوات الأخيرة والتي تعد مرجعاً تقاس عليه الدية وفقاً للشريعة الإسلامية، أدت إلى هذا لقرار القاضي برفع قيمة الدية.
يقول أحمد العباسي، الخبير في مجال التأمين، إن قرار زيادة مبالغ الدية أدى بدوره إلى لجوء شركات التأمين إلى زيادة أسعارها من أجل تغطية تلك الديات، وأكد أن قرار الشركات برفع أسعارها في هذه الحالة مبرر، وأضاف: زيادة مبالغ الدية له أثره في حياة الناس الذين قد يفقدون معيليهم في حوادث مرورية، مشيراً إلى أنه من الطبيعي أن تقابل هذه الزيادة في الدية زيادة في أسعار التأمين الخاص بالمركبات لتتمكن شركات التأمين من الوفاء بحقوق المتضررين، وقال إن عقد التأمين الموحد أصبح أكثر شمولية في مسألة التأمين على المركبة من حيث الوفاء بالالتزامات المالية تجاه المتضررين، مشيراً إلى أنه حسب هذا العقد فإن شركات التأمين ملزمة بدفع التكاليف الخاصة بتعويض المتضررين من الحوادث بشكل مباشر بغض النظر عن طبيعة ذلك الحادث وحيثيات وضع مرتكبه.
من جهته قال الرئيس التنفيذي والعضو المنتدب لإحدى شركات التامين والذي فضل حجب اسمه، إن أسعار التأمين بدت متدنية، مما أصاب بعض الشركات بخسائر فادحة، وأكد أن رفع شركات التأمين لأسعارها ليس بالضرورة أن يكون مرتبطاً بزيادة مبالغ الدية وقال إن حجم سوق المطالبات والأقساط المكتسبة لشركات التأمين في السودان يبلغ مليارات الجنيهات بينما المطالبات المتكبدة المطالبة على المركبات ضعيفه جدا، خلاف التشغيل والمصروفات، ما يعني أنه ليس بالضرورة أن يكون موضوع الدية هو السبب الرئيس في زيادة الأسعار وقال إن إدارة المخاطر عنصر أساسي في مجال تشغيل شركات التأمين، مؤكداً أنه من أهم عناصر إدارة المخاطر أن تكون لدى الشركة قوة مالية قادرة على مجابهة المسؤوليات التي ستتحملها.
من جانب آخر يقول محمود البشري، مدير الشوؤن الفنية بشركة النيلين للتأمينات، إن الزيادة جاءت بنسبة 200 % مما أحدث ربكة في قطاع التأمينات كافة وإن شركات التأمين لن تتمكن من التأمين بهذه الأسعار، كما أشار إلى أن هيئة الرقابة على شركات التأمين هي التي حددت قيمة التأمين الجديدة بعد عقد اجتماعات عدة والخروج بنسبة تناسب الأسعار الجديدة، وأضاف: “شركات التأمين متضررة من هذه الزيادات لأن الأسعار ضخمة وخرافية مما قد يتسبب في عزوف الزبائن عن التأمين وبالتالي يقل دخل الشركات وقد يؤدي بها إلى الإفلاس والتوقف عن العمل” ومن جانب آخر اقترح البشرى انشاء “صندوق لدعم الدية” تساهم فيه الدولة وديوان الزكاة وفاعلي الخير توضع له ميزانية ثابته من قبل الدولة وتستثمر أمواله بحيث تصب العوائد في خدمة الصندوق وذلك يخفف علي المحكومين في سداد هذا المبلغ الضخم، فالبعض من مرتكبي الحوادث المتسببة في القتل الخطأ يعملون فى خطوط المواصلات أو سيارات الأجرة باحثين عن قوت يومهم وقد لا يتمكنوا من سداد قيمة الدية، بجانب التزاماتهم فالبعض منهم يعيل أسرا بأكملها وقد يؤثر ذلك في مستقبله وأفراد أسرته إذا لم يكن لهم معيل آخر غيره يلبي متطلباتهم في ظل هذه الظروف الاقتصادية الصعبة.
اليوم التالي