السودانيون العائدون من الجنوب.. فصول جديدة للمعاناة

أوضاع ماسأويه يعيشها آلاف المواطنين بمحلية السلام بولاية النيل الأبيض العائدون قسراً من دولة الجنوب، حيث منعتهم السلطات بالجنوب من التصرف بممتلكاتهم، ليحتموا بمناطق نائية من الولاية، متخذين من” القش “ مسكناً لهم، في وقت لم تقم فيه أي جهة رسمية بالمطالبة بحقوقهم، واكتفت بتقديم خدمات خجولة طبقاً لوصفهم، ولم تفلح المنظمات والجهات المعنية في توفير الخدمات لهم (صحة تعليم وغيرها)

ضياع ممتلكات
(من قمنا لقينا أهلنا في الجنوب) بهذه العبارة ابتدر المواطن محمد العشا حديثه للصحيفة، قائلاً: ترعرعنا بالجنوب وعملنا بأرضه في مختلف المهن من التجارة والزارعة، حتى وقت قريب، وتعرضنا لضغوطات كبيرة بعد الانفصال مما أجبرنا على ترك ممتلكاتنا خوفاً على أرواحنا، واستقرت بنا الأوضاع بمحلية السلام بولاية النيل الأبيض، لتبدأ فصول المعاناة، حيث نعيش أوضاعاً مأساوية، اتخذنا من القش مأوى لنا، دون أي خدمات من مياه وصحة وتعليم، والأدهى والأمر جلوسنا دون عمل نسترزق منه، لتعطف علينا بعض المنظمات الأجنبية بمواد غذائية لا تكفي ليومين
أما المواطن علي دفع الله فيقول: كنت أعمل في وظيفة (ملاحظ بيارة) في الري بالجنوب، وأتقاضى راتبي من الشمال بحكم توحد الإدارة، وبعد أحداث العنف التي اندلعت عقب الانفصال، وتمثلت في الهجوم المتكرر علينا، أجبرنا على الفرار مع أسرنا، تاركين حصاد العمر من منازل وأموال وممتلكات، وعند قدومنا للسودان طالبنا بحقوقنا من قبل الجهة التي قامت بتعيينا بالجنوب، حيث طلبت منا تقديم بعض المستندات، وبعد الإيفاء بالمطلوبات لم نحصل علي حق أو باطل سوى وعود، نأمل في أن تصدق حتى تغيير من واقعنا المرير.
لايوجد مصدر دخل
وربما ماسأة العائد ابراهيم آدم لاتختلف كثيراً عن المآسي التي عاشها سابقوه، حيث قال كنت أملك خمسة أفدنة ومعي من يمتلك مشاريعاً زراعية تقدر مساحتها بـ (1000) فدان، وحالياً لا أملك سوى بيت متهالك من القش(كرنك) واجتهدت المنظمات في توفير أبواب وأسقف بمبلغ من المال، ولكن الغالبية لا تستطع شراؤها لعدم توفر مصادر دخل، وأسرتي تتكون من 6 بنات، لا أستطيع توفير القوت لهن، وجربت عدداً من الأعمال ولكنها لم تجد نفعاً، وسلكت عدة طرق لكسب العيش حيث عملت صياداً بالبحر، وأحياناً أعمل في مهنة «عتال» والمشكلة الأكبر عدم توفر مياه الشرب بالمناطق التي يقطن بها العائدون، وعدم توفرها يجعل ضعاف النفوس من التجار يستغلون حوجتنا، حيث يقومون ببيع برميل المياه لنا بواقع (30) جنيهاً .
تعليم مختلف
نصر الدين خيرالله كان يعمل تاجراً بالجنوب، ولكنه فقد كل رأس ماله بسبب المضايقات التي أجبرته على الفرار مع رفاقه العائدين، ليستقر به المقام بأرض قاحلة تنعدم فيها الحياة علي حد تعبيره، ويسرد خير الله مأساته قائلاً: بعد أن كان ابناؤنا في مقاعد الدراسة، لم توفر الجهات المعنية لهم المدارس، واكتفت بتشييد ثلاثة فصول لمرحلة الأساس، حيث ينهي الطالب دراسته عند اجتيازة امتحان الصف الثالث، وبعدها يمكث بالمنزل، وهذا حال الكثير من أبنائنا الذين تركوا التعليم مُجبرين لإنعدام المدارس الثانوية وضيق ذات اليد الذي يحول دون إلحاقهم بمدارس خارج المناطق التي نقيم بها، ويبدو أن سوء الأوضاع بالمنقطة أجبر الأساتذة أنفسهم علي هجر هذه المدارس.
عبادة موسمية
الحال البائس الذي يعيشه العائدون وتردي البيئة طال حتى دور العبادة بمناطق العائدين، حيث أشار إمام المسجد بمنطقة ود أبكراي الشيخ أبو طالب حاج عبد الله إلى أن المصلين يفترشون الأرض في المسجد الذي شيدوه من القش، ليذكروا فيه الله، وتنقطع العبادة في فصل الخريف، وظل المسجد على هذا الحال لأكثر من خمس سنوات، وتغض الجهات المعنية والمنظمات الطرف عنه.
اهتمام محدود
رئيس اللجنة الشعبيه بمناطق العائدين حمزه عبدالله علي أكد فصل السودانيين العاملين بالجنوب من الخدمة المدنية بطريقه عشوائيه بعد الانفصال، والقانون بالجنوب يحظر عليهم التصرف في ممتلكاتهم بعدم بيعها او استئجارها، ويري حمزة أن ماحدث لهم اضطهاد وهضم للحقوق، مما أجبرهم على الفرار بانفسهم واللجوء لولاية النيل الأبيض باعتبارها أقرب منطقة تحد الجنوب، وتم حصرهم بواسطة الجهات الرسمية وبعض المنظمات في ثلاث مناطق لتقديم الخدمات لهم وهي (ود أبكراي البحر، مفتاح الرحمة، ود أبكراي فوق) ‘ وشكا من عدم تناسب الخدمات المُقدمة لهم مع أعداد العائدين البالغ ( 47) الف و (672) نسمة، كما حصرت السلطات (643) أسرة، هذا بخلاف مجموعات أخرى متفرقه بأنحاء المحلية لم يتم حصرهم، وقال رئيس اللجنة إنهم يفتقرون للخدمات الأساسية من مياه وصحة وتعليم، مما جعلنا نعتمد على الحفائر التي أوشكت على النفاد، حيث يبعد أقرب موقع لجلب المياه حوالي 72 كلم، وهنالك مدارس شيدتها المحلية لكنها لم تكتمل في انتظار المسؤولين، وقال حمزة: الدوله أولت العائدين اهتماماً محدوداً، والمنطقة تحتاج ميزانيات للتنمية، وطالب بتوفير مشاريع لاستيعاب العماله الموجودة، لاسيما وأن 60% من العائدين مزارعين، بجانب توفير الخدمات العلاجية، وتشييد مركز صحي بمواد ثابتة، باعتبار أن المركز الموجود يفتقر للمعدات والكادر المؤهل، وانعدام كامل للدواء.
جهد غير كافي
وبالمقابل أقر معتمد محلية السلام الجزولي هاشم بوجود نقص في الخدمات المقدمة للعائدين، بجانب أن امكانيات المحلية وجهود المنظمات غير كافية لإحتوائهم، وأشار إلي أن الجهود التي تمت تركزت على توفير الغذاء للعائدين، وكشف عن وعود لوزارة الرعاية والضمان الاجتماعي ببناء (24) قرية نموذجيه مجهزة بالخدمات للعائدين، وأضاف بدورنا ملكناهم (10) قوارب صيد، كما توجد محاولات لإضافة (300) قارب، وشرعنا في دراسة تشييد مشاريع خدمية من مستشفى ومحطات مياه بالتعاون مع منظمات، ونحتاج للمزيد من الجهد.
توجيه بالحل
كشف نائب رئيس اللجنة الفرعية لحقوق الإنسان بالمجلس الوطني د. عبد الجليل عجبين عن توجيه لجنة الشؤون الاجتماعية بالبرلمان بالقيام بزيارة للمنطقة للوقوف على أوضاع العائدين، وتوجيه والي الولاية بحل الاشكاليات على غرار الشكوى التي تسلمتها اللجنة، وقال عجبين إن البرلمان لايقدم دعماً مالياً، ولا يستطيع اتخاذ أي خطوات تنفيذية تجاه المواطنين، بل يقوم بالتوجيه والمتابعة مع الجهات المعنية.

تحقيق : ناهد عباس
اخر لحظة

Exit mobile version