الشعار الذي رفعته الحركة الإسلامية مؤخراً تحت اسم، (الهجرة إلى الله)، عبر ما طلقت عليه تجاوزاً، فتنة أمراض السلطة من خلال التقرب إلى الله بالعبادات والتزكية، بأداء الفرائض والنوافل وقيام الليل والإعداد الروحي والتربية والعمل الجماعي والتنظيمي هي في تقديري أمر يحتاج الى صدق مع النفس وإلى مراجعة المنهج الذي قامت عليه الحركة الاسلامية السودانية أولاً قبل كل شئ فهذه الحركة كما ذكر المرحوم د. حسن الترابي، فى إفاداته لقناة الجزيرة مؤخراً، قد اختارت منهج العمل السياسي الجماهيري الواسع بديلاً عن منهج التربية الضيق ذلك أن المنهج السياسي، الذي اشتهر بالاسلام السياسي قد أوصلها الى السلطة ولكن لغياب التربية الصحيحة أدى إلى إنحرافات كبرى في طريقة إدارتها للدولة حيث أن السلطة المطلقة أدت الى مفاسد كثيرة منها انعدام العدل الشورى وضعف الأمانة وغياب الحريات والتعامل المتشدد والمتعسف مع الآخر الفكري والسياسي بل أدى الى انفصال ثلث الوطن وهو منهج ينافي قيم الاسلام الأساسية. ولذلك أرى أن الحركة الاسلامية السودانية، إذا أرادت أن تهاجر إلى الله فعلاً لا قولاً عليها أن تمارس أولاً قبل العبادات والنوافل التوبة إلى الله مما فعلت طيلة فترة ما أطلقت عليه التمكين فرد المظالم وتعود لمنهجها الذي قامت عليه أصلاً في إحترام الحريات والشورى –أي الديمقراطية– وهي التي مكنتها من الصعود وأن تكرس العدل والأمانة في إدارة الدولة اعمالاً لقوله تعالى (ان الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات الى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل) صدق الله العظيم ذلك أن أداء الأمانة والحكم بالعدل، هي الأساس الصحيح للحكم بالشريعة التي هي ليست مجرد قوانين للعقوبات الحدية بل منهج متكامل فالاسلام كما يعتقد أهل الفكر الأصيل هو دين وأمة وليس فقط دين ونظام دولة وحكم، فالدولة أو الحكومة هي أمر طارئ بحسب التطور البشري الذي يقبل الاجتهاد فيه أما الدين والأمة فهما الأصل ولذلك اجتهد بعضهم امثال الرئيس رجب طيب أردوغان بإعطاء مفهوماً صحيحاً للعلمانية وهي أن تكون الحكومة محايدة بين الأديان أو كما فعل حزب النهضة بزعامة السيد الغنوشي بفصل العمل الحزبي عن العمل الدعوي وقال بأن تُمارس السياسة بعيداً عن الدين حتى لا يستغل البعض شعار الدين لفرض اجتهاد أحادي يراه على باقي الأمة ويجعل من ممارساته واجتهاداته السياسية التي ربما تكون خاطئة أو ظالمة أمراً مقدساً مثل الدين.. ولعل ذلك التصرف والخلط المفاهيمي وعدم ضبط المصطلح في العلاقة بين الدين والسياسة في تقديري هو الذي أوقع الحركة الاسلامية السودانية في مأزقها الحالي بعد توليها السلطة عبر المغالبة الانقلابية وصندوق الذخيرة وليس صندوق الانتخابات، ولو استمرت الحركة الاسلامية في الممارسة الديمقراطية كما كانت منذ تكوينها ومارست نفس منهج حركة النهضة الحالي أو حزب العدالة والتنمية التركى حتى بعد توليها السلطة لكان لها شأن آخر أكثر فائدة لوطنها السودان بل لكل الحركات المشابهة.. ولعل ذلك الخطأ ما وقعت فيه جماعة الاخوان المسلمين في مصر فحدث لها ما حدث.. على الحركة الإسلامية السودانية أن تتوب إلى الله صدقاً وعدلاً..