* السيد الحسن الميرغني الذي اشتكى في بادئ الأمر من قلة الملفات الموكلة إليه، الآن تحتفل مؤسسة الملاذات على مدى حلقتين جهيرتين بمناسبة تسلمه (ملف الملفات).. الذي لعمري لم يكن إلا ملف الأمن الغذائي في (بلاد النيل والشمس والأرض البكر) والسواعد السمراء.. والأحلام الخضراء..
* توقفت كثيراً عند الإفادات الملهمة التي أدلى بها السيد مساعد أول رئيس الجمهورية، السيد الحسن الميرغني للأخ الزميل الأستاذ محمد لطيف، كما عالجها لطيف بحرفيته المعهودة بعمود الأمس، لتقفز لك من الوهلة الأولى صورة أخرى للسادة أبناء المراغنة، غير تلك التي رسمها ورسخها الإعلام، بأنهم يولدون وفي فمهم ملعقة ذهب.. وأنهم بعيدون عن قضايا الجماهير وهموم الدهماء.. ليس هذا فحسب، بل إن بعضهم يجردونهم من أي شرف عصف ذهني يفضي لإنجاز مادي.. وترفدنا مضابط الحملة الإعلامية الأخيرة التي صورت هموم الميرغني واختزلتها، في بضع سيارات وامتيازات مفقودة..
* هكذا يخرج السيد الحسن الميرغني الابن اليوم للإعلام، بقول لم يسبقه إليه الأولون والآخرون من عباقرة السياسية السودانية، وهو يقطع بأن الحصار، شماعة المتقاعدين، لم يكن كله شرا.. فعلى الأقل، بحسب الميرغني، يجعل الناس تعتمد على نفسها، فضلاً عن أنه يفضي لصناعة أفكار بديلة، ومحفز ومستفز للعقول لإنتاج مخارج غير تقليدية..
* على أن التأريخ عبر المسيرة البشرية – والحديث لمؤسسة الملاذات – أثبت صحة ما ذهب إليه الميرغني الحسن، فأعظم النهضات الاقتصادية عبر التأريخ لم تصنع على حين دعة وانفتاح، وإنما لما تسد كل الأبواب أمام الشعوب فإنها تلجأ لصناعة مخارج مذهلة.. وليس آخر ذلك ما حدث إبان الثورة الصينية والزعيم الشيوعي ماو.. والحكمة ضالة المؤمن إنما وجدها كان أحق بها.. لطالما أدمنت تكرار هذه المقولة الصينية التي لا تمل.. (الثورات العظيمة يخطط لها الأذكياء وينفذها الأبطال ويستغلها الجبناء)..
* سيدي الحسن، وأنت تهب نفسك ووقتك وأفكارك لصناعة الأمن الغذائي، أعلم أنك تقف في المكان الصاح في الوقت الصاح، الآن تكاد أمة النيل والشمس والصحراء تغتال من هذه الثغرة.. فقد بلغ بنا أدب التقاعس واللامبالاة أن يستخدم رعاتنا ومزارعونا الألبان المجففة.. والصلصة التركية والألبان الطازجة الخليجية..
والبرتقال الجنوب أفريقي.. ليس فهذا فحسب، بل إن أحد الصناعية أمس وهو يعالج لي جهاز تكييف طلب مني بالاسم أن أحضر له (القش الأمريكي).. قد نجد مخرجاً وسبباً لقطع غيار الطائرات والقطارات الأمريكية، لكن قصة (القش الأمريكي) فتلك جناية تستحق ثورة وطنية أنت لها سيدي..
* وطربت جداً وأنت تخطط للتطواف بنفسك وسط الحقول والمزارع، فليس أقل من أن تجعل لك عريشاً وسط المزارعين والحواشات، مستلهما من شهر الفتوحات عريشة رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر .
وليس هذا كلما هناك.