فيصل محمد صالح : إرادة وآليات لا قوانين

كلما ظهرت مشكلة ما أو جريمة فساد أو تجاوزات.. صرخ بعض القوم مطالبين بتشريعات جديدة، حتى نكاد نصبح بلد المليون تشريع، فهناك مطالبات وقوانين لكل شيء وكل حركة، وكأننا في منافسة مع بقية دول العالم في عدد وكمية القوانين. رغم أن قدرة البلاد المختلفة على مكافحة الجرائم والتجاوزات لا يقاس بعدد القوانين ولا حجمها، وإنما بالفعالية وتوفر الإرادة.
في صحف الأمس؛ عرض لندوة أقيمت عن حديد التسليح والتلاعب الذي يتم في المواصفات بما يهدد حياة الناس، ومن بين المعالجات رأيت من يطالب بتشديد العقوبات، أو استحداث تشريعات جديدة. وبحسب علمي أن هناك قوانين للغش التجاري والمواصفات موجودة ويفترض أنها معمول بها.
وهناك حديث منسوب للدكتورة تهاني عبد الله وزيرة الاتصالات عن مشروع قانون جديد لمكافحة جرائم المعلوماتية “يتضمن عقوبات مشددة للابتزاز والإساءة عبر مواقع التواصل الاجتماعي” بحسب كلامها. وهناك قانون موجود ومعروف وهو قانون جرائم المعلوماتية لعام 2007 لا يزال سارياً، ويتم العمل به في المحاكم السودانية. وخلال الأسبوعين الماضيين تم نظر أكثر من قضية بموجب هذا القانون، وبه عقوبات مشددة على كل ما ذكرت السيدة الوزيرة.
في الأخبار أيضا أنه تم ضبط سيارات باعها موظفون بدمغة الجريح لأنفسهم بأسعار زهيدة، ولا أعلم إن كانت دمغة الجريح هي هيئة أو مؤسسة، وأتوقع مسبقا أن هناك من سيتحدث عن ضرورة إصدار قانون جديد أو تشديد العقوبات على مثل هذه الجرائم. وهناك كلام عن إيجارات مباني الوزارات التي حدثت بها بعض التجاوزات.
في كل هذه الجرائم والمخالفات هناك قوانين ولوائح منظمة وقواعد، لكن هناك مشاكل عديدة تعترض تنفيذ هذه القوانين واللوائح الضابطة. أول المشاكل في عدم وجود الآليات التي يفترض أن تراقب وتتابع تنفيذ القوانين، وإن وجدت فهي إما ضعيفة أو قليلة الإمكانيات ومحدودة الخبرة. وبالتالي؛ بدلاً من إصدار تشريعات جديد فالأفضل الاتجاه لزيادة قدرات هذه الآليات الفنية والبشرية وزيادة قدرتها على الحركة والعمل.
المشكلة الثانية هي الاستثناءات، فكثير من الهيئات والمؤسسات التي يصرف عليها من المال العام تنشأ أحياناً بقوانين تعفيها من الالتزام ببعض القوانين واللوائح، بما يفتح الباب لإساءة استخدام السلطة والنفوذ وفتح الباب أمام الفساد المقنن. كما أن هناك بعض الجهات التي تقوم “بروس” فلا يعرف لها أصل ولا فصل، لمن تتبع، وما هي القوانين الحاكمة لها، وهل تخضع لقوانين وقواعد المال العام أم لا!؟.
لسنا في حاجة لقانون كل 24 ساعة، بل نحتاج التوقف لنسأل ماذا فعلنا بالقوانين الموجودة، وكيف طبقناها، وهل تسري على الجميع أم أن هناك خياراً وشماماً وبطيخاً، وما هي الآليات المتوفرة للرقابة والتحرك والتنفيذ. كل قوانين الدنيا لن تفيدنا، فالقانون لا يطبق نفسه، ولا يحول نفسه لواقع، نحن من يمكننا أن نفعل ذلك إن ملكنا الإرادة، ونحن أيضا من نحوله لمجرد كلام على ورق.

Exit mobile version