منذ أن حل علينا الصيف والشكاوى لا تنقطع عن أزمة المياه وكل يوم يخرج سكان حي من أحياء الخرطوم الى الشوارع ليلفتوا نظر الحكومة لمعاناتهم، فهناك أحياء لم تصلهم المياه لشهور مضت، وهو حدث ظل يتكرر أكثر من 27 سنة مع كل الحكومات .
ليست الخرطوم وحدها؛ فالأنباء تأتي من كل أنحاء السودان: شماله وشرقه وغربة تشكو العطش، وكل تلك المناطق لديها الكثير من الحلول ولكنها تحتاج الى اهتمام الدولة، وعلى الرغم من أن الأمر مقلق جداً، ومن الخطورة بمكان؛ إلا أن فكرة الحل الجذري ما زالت حلماً بعيد المنال في ظل هذه الحكومة.
لا أجد العذر للحكومة فى مسألة العطش الذي يعاني منه أهل الخرطوم ولا ذاك الذى يحدث فى جميع أنحاء السودان؛ فهنا النيل وهناك الكثير من المياه الجوفية وغيرها، وإخراج الماء من النيل أو من باطن الأرض لم يعد بالأمر الصعب فى دولة لا تحتاج لشيء غير الإحساس بالمسؤولية .
إن توفير الماء هو أولى الخطوات نحو استقرار الإنسان حتى يفكر فى تطوير نفسه، فالماء يمنح الناس فرصة النماء، ولذلك فإن معاناة المواطن من العطش فى السودان كانت ولا تزال السبب وراء التخلف والكثير من المصائب التى يعاني منها المجتمع ، وإن وفرت الحكومة الماء لتجنبت الكثير من الصراعات التى تدور رحاها اليوم فى كل جزء من السودان، فالماء هو كل شيء فى الحياة؛ ولذلك قال الله تعالى: وجعلنا من الماء كل شيء حي، وباختصار لا يمكن للحياة أن تكون طبيعية ما دام الإنسان يعاني من الحصول على الماء.
إن كثيراً من الأمم والشعوب عانت من توفير المياه لمواطنيها لأنها لا تملك مصادر مياه عذبة أوسطحية، ولكنها كانت تدرك أن الماء مهم لعيش الناس حياة مستقرة، وينهضوا، فكافحت ونجحت في توفيره وحققت لمواطنيها الاستقرار؛ ثم نهضت حتى وصلت مستوى الرفاهية ، حدث هذا قبل سنوات قليلة ، ونحن قبل قرون نملك النيل العذب بطوله وعرضه وأنهاراً أخرى ووديان كثيرة، وما زلنا نعاني من الحصول حتى على ماء الشرب.
الحكومة دائما تفكر (بالمقلوب) فهي تعتقد أنها لتكون ناجحة وتبقى في كرسي الحكم؛ يجب أن تقسو على المواطن، مع أن الرحمة والرأفة أيضاً ستبقيها نفس المدة مع الحب بدل الكراهية، ولكن يبدو أنها عاجزة عن ان تكون رحيمة ففاقد الشيء لا يعطيه، ولذلك هي لن تشعر بالمسؤولية تجاه قضية العطش وستظل قائمة مادامت هي موجودة وقد صبرنا ما فيه الكفاية.
حيثما وجد الماء وجدت الزراعة والبناء وتربية الحيوان والعمل والإنتاج والاستثمار، فتتحقق الحياة الكريمة للإنسان، وبذلك تتوفر أسباب الاستقرار ما الذي يجعل الحكومة لا تريد لنا هذا إن لم تكن جاحدة وظالمة .
هل يعقل حكومة عمرها27 سنة وما زالت عاجزة عن توفير الماء لمواطنها، فهذه المدة كافية لأن تجعلها تستخرج الماء من أي شيء إن لم يكن لديها موارد، وليس هناك دولة في العالم تملك عُشر ما نملك من مياه ومواطنوها يعانون من العطش، الآن ليس هناك ما يمكن ان نقوله فقط كفاية صبر على العطش، كفاية صبرعلى حكومة تستخسر فينا جرعة الماء. السودان لا يستحق أن يكون مثل إبل الرحيل شايل السقا وعطشان.