انتشرت في المجتمع الإماراتي ظاهرة المغالاة في المهور، ولكن نتيجة لعواقبها المترتبة من عنوسة والوقوع في حبائل الديون وتعثر الحياة الزوجية، انبرى آخرون يضربون أروع الأمثلة خلقاً وطيباً في تعاملهم مع «النسيب» اتباعاً لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم (أقلهن مهراً أكثرهن بركة)، فهناك أُسر إماراتية زوجت بناتها بحفظ آيات من القرآن، ودون إقامة حفل زفاف مُكلف، بهدف تيسير أمور الزواج، كما أقدم رب أسرة مواطن في مدينة العين على تزويج ابنته دون حفل زفاف، وبمهر رمزي، واقتصر حفل الزواج على إفطار صباحي، وبانقضاء الإفطار قام والد العروس بتسليمها لزوجها دون حفل وتكاليف تثقل كاهل الزوجين في بداية حياتهما، ولا يخفى أن متوسط تكلفة مشروع الزواج لأي شاب إماراتي يصل إلى نصف مليون درهم، من حيث تقديم مهر للعروس وتأثيث منزل وتكاليف ليلة الزفاف من مأكولات وحجز قاعة العرس، بما فيها من زينة وهو الأمر الذي كان يدفع معظم الشباب إلى العزوف عن الزواج لسنوات طويلة حتى يستطيعوا تكوين مبلغ كبير من المال، يمكنهم من خلاله تحمل تكاليف هذا الزواج، أو دفع بعضهم مباشرة للاقتراض من البنوك، علماً بأن المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه قد حدد المهور بـ«20 ألف درهم، ومؤخر الصداق 30».
أوضح الدكتور عبدالعزيز الحمادي، مدير إدارة التلاحم الأسري في هيئة تنمية المجتمع بدبي أن المرأة في ديننا الإسلامي الحنيف هي غالية جداً، فلها مكانتها السامية وتقديرها الكبير.
ومع ارتفاع المهور في أيامنا الحالية ينبغي التوعية الفعلية بالابتعاد عن الإسراف والتبذير، وكل العادات الدخيلة على مجتمع الإمارات، وأضاف د. الحمادي: «وبما أنني أيضاً أعمل مأذوناً فقد شهدت عقد قران لم يرض فيه ولي أمر الفتاة إلا بمهر ومؤخر قيمته ألف درهم فقط، وموقف تمثل في قيام ولي أمر الفتاة وهو والدها بدفع المهر وقيمته 5000 درهم، وفي موقف آخر تكفل والد الفتاة بدفع جزء من تكاليف حفل الزفاف، وآخر اشترى لابنته قطعة أرض يستطيع زوجها أن يبني منزلاً يعيش فيه وزوجته بسعادة.
أما عمر محمد الكعبي، خبير في التنمية البشرية، ومدرب معتمد في تطوير الذات، فأشار إلى أن أغلبية الشباب يتمنون الزواج من دون أية مبالغة في طلب المهر، أو طلبات أخرى غالية تقصم ظهرهم، وقد توقعهم تحت وطأة الديون ولفت الكعبي إلى نقطة مفادها أنه ما يتم حالياً من قبل بعض الأهالي يعارض المصلحة المجتمعية العامة، ويزيد من نسب العنوسة والعزوف عن الزواج، وغيرها من الأضرار التي من شأنها الإخلال بالتوازن الطبيعي في المجتمع.
5 آيات
ويذكر عبدالله العطر، خبير التطوير الشخصي والتنمية البشرية، حينما قرأ الشاب الإماراتي جاسم محمد الحمادي أمام والد عروسه والمدعوين والمأذون خمس آيات من سورة «يس» كانت كفيلة بإتمام عقد الزواج، وكانت هذه الآيات هي المهر، الذي طلبه والد العروس لتزويج ابنته.
وأبدى الإعلامي محمد الخطيب، رأيه في الموضوع قائلاً: «هناك بعض الأسر الإماراتية، التي تبالغ في طلب المهور، وهذا دليل على أن الأصل في المجتمع الإماراتي هو القناعة والرضا والاستغناء عن جميع مظاهر التفاخر، وأود التطرق إلى أن ارتفاع المهور قد لا يكون سبباً رئيساً في التأخر في الزواج، فقد تغيرت شؤون الحياة، وبات الشاب كما الفتاة، يسعى لمتابعة دراسته وتأسيس عمل أو مشروع له قد يدر له أرباحاً».
وأشارت الإعلامية منال أحمد، إلى أنه من الضروري أن يكون للمرأة مهر معقول لا يقلل من قيمتها ولا من شأنها، فهي حتماً ستقبل عروساً على زوجها، ومن حقها أن تشتري لها ما يليق بها من جهاز كالذهب والملابس وغير ذلك.
وأوضحت عائشة الطنيجي، محامية ومستشارة قانونية، أن التيسير في متطلبات الزواج وخاصة من جانب العروس وأهلها له أثر كبير في تقدير الزوج للطرفين، خاصة وإن كان المتقدم لطلب الزواج طيب الخلق، ويُشهد له بالاحترام، ويقدس رابط الزواج، وقادر على تحمل المسؤولية الزوجية.
وقد يتصرف بعض الآباء بطريقة تجارية ويساوم على ابنته وكأنها سلعة لمن يدفع أكثر حتى دون أن يرجع لابنته أو يأخذ موافقتها، وهنا يكمن الخطأ ويكون الرفض فقط لأن قيمة المهر لا تعجبه، وقد يقوم باستلام المهر ويأخذه لنفسه دون استئذان ابنته.
وعن قيام الأب بتقليل أعباء الزواج لغرض تيسير الأمور، قالت الطنيجي: «هذا لا يعتبر تقليلاً من قيمة الفتاة، بل يُقتدى به، فالعبرة بالشخص الذي سوف تربطه علاقة نسب في العائلة، وليس بكم سيدفع، لقول الرسول «صلى الله عليه وسلم»: «أعظم النساء بركة أيسرهن مؤنة (أي مهراً)».
رؤية قانونية
يرى حسن المرزوقي، محام ومستشار قانوني، أنه ومنعاً للنزاعات التي تثور بشأن كيفية تحديد المهور وتسميتها، يتحتم تحديد المهر بشكل ثابت، فلا لبس فيه ولا جدال، وأن يسمى ذلك في العقد منعاً لنشوء نزاعات قد تعصف بالحياة الزوجية وهي في مرحلتها الأولى.
وبشأن ما يقوم به بعض الناس من تسمية المهر بتقديم «القرآن الكريم» أو حفظ بعض الأجزاء القرآنية، فمما لا شك فيه ولا جدال أن كتاب الله تعالى لا يُقدر بثمن، ولكن يجب عدم إقحام «المصحف الشريف» في تلك الأمور المادية والمالية، وهو ما لا يصح شرعاً، وهو الرأي الذي يجد سنداً له لدينا من قوله صلى الله عليه وسلم: «التمس لو خاتماً من حديد»، بما يعني أن الرسول الكريم أوضح في موضوع المهور بتحديد شيء يمكن تقييمه بمال، وحتى لو كان خاتماً من حديد، أما القرآن الكريم فلا يمكن تقييمه بمال نظراً لمكانته.
وأضاف المرزوقي: تفادياً للمشاكل فيجب الرجوع لمهر المثل عند عدم تسمية المهر، والاهتداء كذلك بما جاء بالقانون الاتحادي رقم 21 لسنة 1997 في شأن تحديد المهر، والذي أصدره المغفور له، بإذن الله تعالى، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، والذي تم النص في مادته الأولى على أنه لا يجوز أن يزيد مقدم الصداق في عقد الزواج على عشرين ألف درهم، أو أن يجاوز مؤخر الصداق ثلاثين ألفاً.
«مهر المثل»
وقال المحامي والمستشار القانوني حسن المرزوقي، أن المهر كما تم تعريفه في المادة 49 من قانون الأحوال الشخصية الإماراتي هو ما يقدمه الزوج من مال متقوم بقصد الزواج، ولا حد لأقله، ويخضع أكثره لقانون تحديد المهور ما يعني أن المهر هو المال الذي يبذله الزوج للمرأة لبيان رغبته الأكيدة في الاقتران بها، والمهر هو كل ما صح التزامه شرعاً من مال متقوم أو منفعة متقومة بمال، كسكنى دار، أو زراعة أرض، أو عمل ما، فكل ذلك يصح أن يكون مهراً.
والمهر كما جاء بالمادة 50 من ذات القانون هو حق للمرأة تتصرف فيه كيفما شاءت، وإذا سمي في العقد مهراً تسمية صحيحة وجب للمرأة ذلك المسمى.
وأضاف: «ولكن تثور بعض المشاكل الزوجية في حال عدم تسمية المهر في العقد، أو تسميته تسمية غير صحيحة، وفي تلك الحالة فالمستحق للمرأة هو «مهر المثل»، وهو المهر المناسب لامرأة تماثل الزوجة وقت العقد. وقد ذهب الإمام مالك على اعتبار مهر المثل بامرأة تماثلها في الصفات من غير نظر إلى أقارب الأب أو الأرحام، وتلك المماثلة تكون في السن والجمال والعقل والعفة والبكارة والثيوبة والفصاحة والعلم والشرف وكونها لديها ولد أو ليست كذلك وما سبق هو رأي القانون والفقه والشرع في أحكام المهر».
قصص
اكتفت عروس إماراتية بطلب «مهر» مُدوّن في عقد القران عبارة عن نسخة من المصحف الشريف، كما طلبت أخرى مهراً كفالة يتيمين حتى يبلغا، وفوجئ العريس بهذا المهر، لتتعهد هي الأخرى لاحقاً بكفالة يتيمين آخرين على اسمها، ولاقت المبادرة استحساناً كذلك من قبل والدها وأفراد أسرتها. وفي قصة أخرى فوجئ عريس إماراتي بمقدار المهر الذي أعلنه والد عروسه «درهم واحد». وألزم أب إماراتي عريساً بأن يتولى تحفيظه سورة النساء .
دراسة: غلاء المهور يرفع العنوسة ويزيد الزواج من أجنبيات
كشفت دراسة جامعية أن المغالاة في المهور ومطالب الزواج كانت من أكثر العوامل المسببة في تأخير سن الزواج وأن أغلبية المشاركين في المسح يجدون علاقة بين غلاء المهور وزواج الشباب من أجنبيات كما بينت أن الغلاء في المهور سبب رئيس في زيادة نسب عنوسة الفتيات نافية من خلال عينة بحثية ارتباط غلاء المهر بالسعادة الزوجية.
وطرحت الطالبة خلود ناصر الكربي في مشروع تخرجها في الكلية الجامعية للأم والعلوم الأسرية بعجمان موضوع ظاهرة غلاء المهور وارتفاع تكاليف الزواج في الدولة من خلال دراسة مسحية أجرتها، وأظهرت أن الدولة أخذت بالآثار المترتبة على هذه الظاهرة ووضعت القوانين والضوابط وأسس تحديد المهور في ضوء قانون صندوق الزواج، الذي أسس بهدف تقديم المساعدة للمتعثرين في الزواج.
وأوضحت الكربي من خلال بحثها أبعاد المشكلة وأسبابها ودوافعها والحلول الممكنة مع العلم بأن بعض القبائل والأسر تتفق على تيسير الزواج وأسبابه وعدم الإسراف والتغالي فيه.
مجتمع الدراسة 120 شخصاً من عجمان متضمنة 8فئات هي غير متزوجين من الذكور والإناث وفئة المطلقين من الجنسين وفئة المطلقين وفئة المتزوجين وفئتا أولياء الأمور وعدد كل فئة 15فرداً، واستعرضت موقف الإسلام من غلاء المهور وحثه على اليسر وأسباب غلاء المهور متمثلة في التغير الاجتماعي على المجتمع والتقليد والظهور بمظهر الغني والتحول من حالة الفقر إلى الغنى المفاجئ وتخلي الرجال عن القوامة في المنزل وطمع بعض الأهالي في الحصول على مكاسب مادية من وراء زواج بناتهم، كما تطرقت الطالبة إلى الآثار السلبية المترتبة على غلاء المهور منها العنوسة لدى الفتيات، وتأخر سن الزواج بين الجنسين ولجوء الشباب للزواج من أجنبيات، وما تبعه من أثر كبير على الأسرة بشكل خاص.
أسباب
تناولت أسباب الغلاء من وجهة نظر أساتذة متخصصين منهم الدكتور أسامة عبد الباري أستاذ علم الاجتماع بجامعة الشارقة الذي أكد أن أسباب الظاهرة ترتبط بالبناء القيمي العربي، الذي يعتمد على التفاخر وربط قيمة العروس والعائلة بمقدار المهر، ما فتح الباب أمام الزواج من أجنبيات وما تبعه من مشكلات ثقافية كما فتح المجال أمام الجريمة والانحرافات الجنسية، فيما أكدت الدكتورة أميمة أبو الخير أستاذ علم الاجتماع أن الظاهرة تؤثر على نظام الزواج في مجتمع الإمارات معتبرة أبرز أسبابها يعود إلى النزعة الاستهلاكية الحادة، التي استشرت في مجتمع الإمارات.
وقالت إن ظاهرة غلاء المهور ظاهرة مرتبطة بالبناء الاجتماعي للمجتمع، الذي يبنى عليه الفرد مخزونه المعرفي طوال حياته مؤكدة أهمية تضافر الجهود أفراداً وجهات لمحاربة هذه الظاهرة والحد منها.
وأوصت الباحثة بمراعاة ظروف الشباب المادية وتقليل المهور وعدم المبالغة فيها وتثقيف المجتمع وتوعيته بأهمية الزواج بغرض العفة والتنبيه للأضرار الناتجة عن ارتفاع تكاليف الزواج وتحديد قيمة المهر بشكل رسمي وصارم، ووضع شروط ملزمة للأفراد والمجتمع في ما يخص المهور وتكاليف الزواج.
دعوة
دعت الطالبة خلود الكربي إلى تفعيل دور مؤسسات التكافل الاجتماعي في تقديم برامج توعوية حول آثار الظاهرة والاقتصاد في المصروفات، مقترحة إنشاء جمعيات توعوية بغرض تأهيل الشباب والفتيات المقبلين على الزواج وتوعيتهم، بأهمية الحفاظ على الأسرة بجميع مكوناتها، وتوعية الشباب بألا يقبلوا على الزواج إلا إذا كان مكتفياً ومستقراً مادياً وتوفير أماكن حكومية لصالات الأفراح بأسعار مناسبة.
البيان