تحدثني عن الشوق.. وأعلم أنها بعض عباراتك الممجوجة التي تستخدمها ضمن أدواتك اليومية لممارسة لعبتك المفضلة واللهو بعواطف الآخرين!
أعلم يا هذا أنها لا تعدو كونها أشواقا مؤقتة.. تقع ضمن المنظومة الطارئة لعواطف مرحلية وافقت فراغا يعبر أيامك.. أعلم تمام العلم أن مشاعرك الزئبقية تتأثر بالمناخ صعودا وهبوطا.. لهذا يبرع الصيف القائظ في هذه الأيام في الصعود بمعدلاتها ويمددها بنيرانه.
هل تواطأت بعض الجهات المعنية بتوفير الخدمات معك؟.. ربما.. هذا المبرر الوحيد الذي يجعل (ناس الكهرباء) يمارسون حربهم الشعواء ضد أجسادنا المنهكة وإنسانيتنا المنتهكة.
لا تقل لي ما علاقة الأشواق بالكهرباء.. أتحفظ علي تهكمك هذا.. فالكهرباء ـ إن لم تكن تعلم ـ واحدة من وسائل الرفاهية القليلة في بلادنا العزيزة.. والحرمان منها يتداعى له سائر الحرمان في حياواتنا.. ويشعرنا بالانكسار والضعف والظلم والهوان على الناس.. حينها تعبرنا حالة من الرهافة والشجن.. قد تستدر دمع البعض.. ليمتزج بحنق مكبوت وإحساس عارم بالظلم والعجز.. ولأننا لا نحول كل تلك الطاقة إلى فعل إيجابي نكتفي بالانكفاء علي عواطفنا.. نتمرغ فيها.. ونفتعل منها أسبابا للمواساة وربما للتغاضي.
هنا تماما.. تعبر الصور والأسماء التي تدغدغ أحاسيسنا أذهاننا.. فنستوقف منها تلك التي تحرض فينا أدوات التذاكي.. أو تناور دهشتنا ورغباتنا.. فنبتكر سلاحا للمناوشة.. يكون في الغالب خطابا عاطفيا هزيلا نبتدره بعبارات الشوق والولع.. ولكن هذا يا سيدي لا يعدو كونه سذاجة عاطفية.. فالمبادرة بإطلاق الأشواق أصبحت لعبة مكشوفة وقديمة عفا عليها الزمن ولا تحقق نتائج مبهرة ما لم يرغب الطرف الآخر في التغاضي وممارسة اللعبة دون حماس.
لا مكان يا هذا يحتمل أشواقك الباهتة بأعماقي.. إن هموم الوطن وجراحاته والإحباط الذي يسكنني أكبر من رغبتي في الانغماس في هذيانك للهروب مما هو أكبر.
لا يمكنني أن أبادلك أشواقا والهة وأنعم بسعادة عاطفية غامرة وأنا أفتقر للأمان والاستقرار والحياة الكريمة.
لا مكان للحب والأشواق والابتهاج من دون كرامة.. ولن أستطيع أن أمارس أنوثتي دون إنسانية.. ولن تكون في خاطري فارسا قبل أن تصبح رجلا يحسن تصريف رجولته لصالح الحياة والأمل ويدرج الوطن على رأس قائمة أولوياته ويحدثني عن العدل والخير قبل أن يحدثتي عن عطره المفضل.
تلويح:
المشاعر الصادقة لا تنمو في حقل من الفساد.