منصور والترابي والعسكر
تمنيت لو تخلص الرجلان، التلفزيوني أحمد منصور والشيخ الترابي عليه الرحمة، لو تخلصا من قبضة العسكر التي تسيطر على حلقات برنامجهم التوثيقي، كنا لحظتها سنستمتع بحلقات حوارية حقيقية خالية من المؤثرات الجانبية، بحيث دخل الرجلان إلى استديو التوثيق وهما يومئذ مثقلان ومتحاملان على اللحظة التاريخية أكثر مما ينبغي !! فمن جهة أن الأستاذ أحمد منصور البرامجي المصري الأشهر في قناة الجزيرة، ملاحق هو الآخر من قبل عسكر ثلاثين يونيو المصرية، ذلك لدرجة مصادرة منزله بالقاهرة، كما جرت محاولات مصرية عديدة في عواصم أوروبية لتسليمه للحكومة المصرية!! وفي المقابل تسجل هذه الحلقات التوثيقية والشيخ الترابي في قمة قطيعته مع عسكر ثلاثين يونيو السودانية.. فضلاً على أن التأريخ السياسي السوداني محل محاور البرنامج، حيث مسيرة الدكتور حسن الترابي من عام 1964 حتى يوم البرنامج ذاك، كلها تقع تحت سطوة العسكر كما يحلو للشيخ الترابي!! فعلى الأقل إن ثورة أكتوبر هي ثورة شعبية لانتزاع السلطة من العسكر!! ومن ثم ثورات مايو وأبريل ويونيو.. كلها ثورات ذات علاقة بالعسكر.. فإما أنها عسكرية أو تفتأ تنزع السلطة من العسكر !!
* لم تتحدث الحلقات حتى الآن بأن صعود العسكر للسلطة في كل المرات، كان ناتج عن ضعف الحكم المدني قبل أن يحسب لصالح (قوة العسكر)!! تمنيت لو أن مقبل الحلقات تحدثت عن فلسفة تطاول حكم العسكر مقابل تقاصر وتقصير الحكم المدني!! بل لماذا كل منجزاتنا الوطنية على شحها قد صنعت على حين دورة حكم عسكري !!
* ولماذا أن وصفة الديمقراطية التي مثلت حلاً سحرياً دائماً للمجتمعات الغربية!! وكانت مكمن إلهام للاستقرار والإنتاج، لماذا كانت هي في المقابل فرصة للإضرابات والاضطرابات والتوقف عن العمل. بمعنى أن التعدديات لم تكن سوى سبع عجاف !!
* للذين يقرأون بتطرف وأجندة مسبقة، أنا لست هنا بصدد الدفاع عن ما يعرف بعهود الشمولية، وﻻ ينبغي لي، بقدر ما أبحث عن طريق لإخراج هذه الحلقات التوثيقية التاريخية، من مأزق العسكر الذي يسيطر على الرجلين عند لحظة التسجيل !! وذلك خدمة للحقيقة وقيم التجرد والإنصاف، فحينما يكتب التأريخ يفترض أننا نكون بمنأى عن أي مؤثرات خارجية، حتى نخرج من قبضة اللحظة التاريخية !! فلا يعقل ألا تخلو أي جملة من كلمة العسكر.. بحيث أوشك العسكر أن يفسدوا هذا التوثيق، صحيح إن شيخ حسن رحمه الله تعالى قد سجن في جميع حكومات العسكر، غير أني في المقابل وددت لو نجت هذه الحلقات هي الأخرى من سجن العسكر !!
* بالمناسبة تراجعت كثيراً متابعات الجماهير لهذا البرنامج بعد مضي هذه الحلقات، ولم تعد الحماسة كما كانت لحظة التسويق الأولى، فكادت تقتله الرتابة وسطوة العسكر !!
* تحضرني عبارة أثيرة للشاعر الفلسطيني محمود درويش، فقد قال ذات لحظة شعرية عالية المصداقية.. إن الشعر الفلسطيني سيحتاج إلى وقت طويل حتى ينقي من الحجارة !! وبدا أننا في المقابل سنحتاج لمزيد من الحلقات حتى ننقي هذه الحلقات من حكم العسكر!! وربما لم ننجح في ذلك، سيما ونحن نسير الآن باتجاه حكم عسكر ثلاثين يونيو، الذين أتى بهم الشيخ الترابي عليه الرحمة والرضوان، وننتظر عن ماذا يتساءلون ويقولون!! اللهم إلا أن يقول منصور للشيخ أو الشيخ لمنصور: “…. إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ” الآية الكريمة.