كل داء عضال قد تجد له دواءً.. مهما كان عصياً على أهل الطب.. فالأبحاث العلمية لا تتوقف.. والاكتشافات الطبية تأتينا كل يوم بجديد.. غير أنهم لم ولن يتمكنوا من ابتداع علاج ناجع للأمراض المعنوية المزمنة.. كالوجد والشوق والخوف والحقد وغيرها.. لاسيما داء الكتابة.. هذا الوباء المزمن الذي يفتك بوجداني ويقتات من دمي وأعصابي دون هوادة.. ويسلمني لحالة متقدمة من الإدمان قد تقودني يوماً للجنون!!
اعتزلت الكتابة لبعض الوقت لدواعي السفر والمرض وغيرها.. بيد أنني ظللت أرزح تحت وطأة حنيني للحروف والعبارات.. ولكم!
أمضي يومي في (قريفة) ترديني صريعة القلق والملل والاستياء.
أتململ تحت جلدي.. وأفرك يديّ في حركة لا شعورية وكأنني أحاول ردع أصابعي عن معاودة القلم.. وأعترف أن كل محاولاتي للدخول في بيات قسري عن البوح قد باءت بالفشل.. ولم أتمكن من الانغماس كلياً في تلك الإجازة التي كنت قد قررت الاستسلام لها كلياً ووضعت المخططات اللازمة لذلك.
ثم ها أنذا أعود.. يكاد يقتلني الظمأ لرحيق الأحبار.. وتظل رائحة الورق تزكم أنفي وتشعل أوار حنيني.
عدت.. لأعانق عيونكم.. وأنداح مع عقولكم.. وأجتهد في التعبير عن بعض مكنوناتكم.. وأجتمع معكم كل صباح على المودة والتقدير لنتباحث في شأن مشاعرنا وأبعاد علاقاتنا الاجتماعية والكثير من تفاصيلنا السياسية وأوضاعنا الاقتصادية.
عدت.. مسكونة بالوله والحماس.. تتزاحم العبارات على شفتيّ.. ويزدحم رأسي بالأفكار والخواطر والأشعار.
عدت.. لأجدد ولائي لكم ولحروفي.. وانحيازي التام لهذا الطقس الداخلي الفريد الذي يستوطن روحي ويحرك غريزة الإسهاب بأعماقي فتظل العبارات تصطخب داخلي حتى تعلن ميلاد النصوص الغالية.
فشكراً لكل من أرسل مستفسراً عن غيابي.. ولكل من اتصل مفتقداً.. ولكل من استشعر للحظة بعض الاشتياق لمقالاتي.
شكراً لأنخاب المحبة والولاء التي نظل نتبادلها معاً.. وللثقة وحسن الظن والتقدير.
ها أنا أرضخ لسطوة القلم.. وأركض نحوكم فوق السطور.. وأسكب في كل صباح بعضا من روحي على المقالات.. وأريق ماء الصدق والموضوعية على صفحات الصحف.
دمتم.. ودام وجودكم العامر بالضوء في حياتي.. لا شفاني الله من هذا المرض النبيل وزادني عشقاً وإدماناً للحروف.
* تلويح:
“ياريتني لو أقدر أقول فيك الكلام الما انكتب.. وأجلي المقاطع بالدهب”
هاشم صديق