لمـاذا نحن كَذلِك ؟

قبل أشهرٍ رحلت إلى شقة بأحد أحياء العاصمة السودانية الصاخبة ، وفي إطار بعض التغييرات الطفيفة قمت باستبدال مكيّف صحراوي إلى آخر بسعةٍ أكبر على ضمان البائع الشفهي الذي ينقط حلو الكلام بمدح سلعته وجودة صنفه ، وبدأ بعدها للأسف مسلسل المعاناة في عدم الجودة و إتقان التركيب الذي أدى لحرق الدينمو المحرك بسبب رداءته وعدم تثبيته بإحكام ، وآخرها بالأمس حيث سقط غطاء موزع الهواء الأمامي ثقيل الوزن الذي كاد أن يحدث كارثة وسط زغب الحواصل من الأطفال لولا لطف الله .

-2-
سألت نفسي والحسرة تكاد تقتلني لماذا نحن دوماً لانتقن صِنعتنا ونغش وندلس ولا نوف الكيل ونطفف الميزان ؟! بل أصبح البحث عن صاحب مهنة يتقنها أشبه بالمستحيلات .
تذهب بمركِبتِك إلى الورشة فيعود لك نفس العطل ما أن تصل لباب الدار ، وهكذا الحال مع بعض النجارين والسباكين والمبلطين الحلاقين وحتى ( بعض ) الأطباء المتخصصون الذين لايتقنون التشخيص هداهم الله ! !!.
ماذا نفتقد لنكون أفضل هل هي القيم وخشية الله أم الجهل بالمهنة وغياب التدريب ؟
دوماً ما أحدّث نفسي عندما أمر بورش السيارات و أصحاب المهن الحرفية أين تلقى هؤلاء علوم المهنة وأين درسوا حرفتهم للأسف السواد الأعظم منهم تعلم على رؤوس الزبائن !
-3-
بدلا عن المشاريع الفاشلة التي تُطلق في الهواء لماذا لاتصرف الدولة على تدريب هؤلاء ، فهم أهم من المدراء الذين يقضون كل أشهر السنة بالخارج بلا مكاسب يجنيها الاقتصاد ، أيهما أهم وذو أولوية قصوى تدريب هذا القطاع الذي يؤثر مباشرة في عصب الاقتصاد أما من هم في أعلى الهرم بلا إنتاج؟
العطب الذي يصيب مجتمعنا أهم أسبابه عدم تجويّدنا لأعمالنا وسوء الإدارة ، واللهث وراء الكسب السهل ( بسرقة ) بلا بذل للجهد ، والخداع والغِش الذي نزع الله بسببه البركة من الأموال وأصبنا بمحقة في العيش والوقت !

-4-
يكاد لايخلو أحداً من تعرّضه في حياته اليوميّة إلى غش ، عدم جودة في سلعنا وملبسنا وشوارعنا وحتى الهواء أفسدوه علينا ، فكيف يغدق الله الخيرات وتتنزل علينا البركات ونحن نطفف في كل كيل و نغش في كل بيع ، وللاسف نتحدث عن الغرب بإطراءٍ ومدح صِدقهم وأمانتهم وجودة منتجهم ، رغم أن هذه القيّم من صميّم ديننا ، ولكن الضمائر في إجازة إلى قيام الساعة !!
خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المصلى فرأى الناس يتبايعون، فقال: يا معشر التجار فاستجابوا ورفعوا أعناقهم وأبصارهم إليه ، فقال : إن التجار يبعثون يوم القيامة فُجارًا إلا من اتقى الله وبر وصدق ) .
فمن يجّود عمله ويصدق حتى لايتسبب في وقوع كارثة على رأس أحد ؟ من يخشى في خلقه الله ؟!
إلى لقاء ..

من الآخر
بقلم : محمد الطاهر العيسابي
motahir222@hotmail.com
صحيفة السوداني

Exit mobile version