حقاً إنه (فوق العادة) !
* عندما يتم تكليفك بمهام ذات حساسية عالية؛ أو تفويضك للقيام بخدمات خاصة مع منحك صلاحيات كاملة تمكنك من إنجاز مهمات عديدة كأن تكون سفيراً لدولتك في أكثر من قطر فذاك يعني في قاموس الدبلوماسية أنك سفير (فوق العادة)، اما في دنيا الإعلام فكل عمل مخدوم بحس صحافي عالي النبرة؛ وغير مسبوق؛ أو كاسر لأطر النمطية؛ ومتمرد على القوالب الجامدة ذات الرتابة المعروفة؛ فهو يمثل مساحة (فوق العادة) ويجب الوقوف عندها تحليلاً وتأملاً والإشارة إليها ببنان الإشادة .
* قدمت قناة الشروق الفضائية كتابها للناس منذ إنطلاقة بثها من مدينة دبي بدولة الإمارات العربية في يناير من العام 2008م باعتبارها قناة إخبارية منوعة تهتم بنسبة كبيرة في برمجتها بالشأن السياسي، ولكنها للأسف لم تقدم لأكثر من سبع سنوات من تدشين بثها حوارات سياسية مُشبِعة؛ ولم يدخل أستديوهاتها للأسف الشديد ضيوفاً من ذوي الوزن الثقيل والأثر الكبير والفاعلين في مركز إتخاذ القرار؛ أو المعارضين الذين تظل الأزمات السياسية بالبلاد واحداً منقوصاً لا يكتمل حلها إلا بالجلوس معهم على طاولة واحدة، وكان معظم الجهد الحواري بالقناة غارق في التقليدية ولم يخرج من إطار الشخصيات المكررة والأشكال الفقيرة الجامدة ..!
* أكثر برنامج ساخن (اسمياً) لا (نسبياً) قدمته الشروق للناس كان بعنوان (حوار من نار) أسئلته عادية وضيوفه من الذين يحبون رؤية أنفسهم وسماع أصواتهم بالشاشات لا أولئك الذين يرغب المشاهد في سماعهم، ولم يستمر البرنامج كثيراً لأن (ناره المزعومة) كانت برداً وسلاماً على كل من جلسوا على كرسي الحوار لتترك أطنان من الرماد قبل أن تعرف الإشتعال ..!
* كان مشاهد الشروق قبل حوالي عام ونصف على موعد مع برنامج (فوق العادة) ركيزته الأساسية أنه يستنطق أناساً يصعب فتل حبال الإقناع شبكة لإصطيادهم بغية الجلوس على طاولة حوار؛ كما أن ميزته الحقيقية أن ضيوفه من الأسماء الفاعلة، لذا لم أكن مستغرباً للنقلة النوعية التي أحدثها (فوق العادة) بالشروق؛ وإن كان أهل القناة لا يعرفون ذلك لأنهم تعودوا على تقديم كل ما هو باهت من أعمال إن كان تحقيقاً مشوه الجينات؛ أو مادة منوعة خاوية؛ أو حوار غريب التساؤلات والأطوار؛ و(السبب في كل ذلك يعود لآفة حارقة اسمها الإستسهال) ..!
* عندما يقدم صحافياً بقامة صديقنا الحبيب ضياء الدين بلال رئيس تحرير الغراء (السوداني) برنامجاً حوارياً على أحدى الشاشات؛ فذلك يعني بإختصار شديد أن القناة كسبت عُصارة خبرة ضياء؛ وخُلاصة علاقاته التي بناها بالمشهد السياسي منذ سنوات طوال فضياء هنا يختار الضيف؛ ويتصل به؛ ويلاحقه؛ ويسعى لإقناعه؛ ويعد أسئلته؛ ورغم ذلك يمكن أن يزرع (موظف منزوع القدرات) بالقناة العوائق في طريقه ليجد أن متاريس اللامبالاة باتت عقبته و(الجحود هو محصلته) .
* كان من الطبيعي جداً أن يحقق (أبو رنا) نجاحاً لافتاً في برنامج (فوق العادة) الذي قدم فيه أكثر من خمسين حلقة لأنه من مواليد (برج الحوار) ويجد متعة في التحضير والبحث والإعداد مع امتلاكه لتكنيك الإستنطاق وتكتيك المحاصرة .. يصمت عندما يجد ضيفه قد تدفق في سرد المعلومات لقناعته أن الإصغاء يُحرِض على البوح .. يرتفع بتساؤلاته معمقاً ومقاطعاً لحظة هبوط إيقاع الإجابة وإبتعاد الضيف عن مضمون السؤال؛ لذا فإن مداخلاته العابرة تُعزِز القيمة الإستفاهمية وتنسج من الردود أسئلة إضافية؛ وتؤكد أن الحوار الحقيقي ما هو إلا وسيلة للترافع عن الإتهامات وجسر لانتزاع المعلومات .
* حوارات ضياء ذات نكهة خاصة؛ وأسئلته دائماً ما تأتي مُشبعة بالمعلومات وتحمل في جوفها إشارات لها ما بعدها، فاستفهاماته تفتح نوافذاً للتأمل وتمنح صاحبها فرصة التقاط خيوط عدة من إجابات ضيفه لمباغته بأكثر من سؤال .
* يحتاج (فوق العادة) إلي زيادة زمن ترويج الحلقات وتكثيفها في الوقت نفسه؛ مع مضاعفة الإهتمام به في المونتاج والإخراج وإضافة بعض المؤثرات الصوتية فمثل هذه البرامج تقود اتجاهات التغيير لواقع أفضل؛ وتزيد من مساحات الحرية؛ وتجعل الصدور تتسع لتقبل النقد؛ والعقول تدرك قيمة الحوار ومعنى المحاسبة على المواقف ومراجعة الأفكار .
* الشاشات الفضائية عندنا تنقصها الحوارات الساخنة التي تطرح أسئلة حقيقية؛ فقد أكتفينا من الإبتسامات الماسخة التي تقدم تساؤلات جوفاء من النوع الذي يشتهيه هواة التمييع وضيوف التلميع .. تحتاج قنواتنا لغربلة برامجها فلا يزال (التوك شو) غائباً رغم أنه أضحى رئة التنفس الفضائي في العالم من حولنا .. لا زلنا نخدع أنفسنا بأن المشاهد لم يتجاوز سن المراهقة المرئية وستشده سيدة الشعر المنسدل والنحر المكشوف التي تعيد إنتاج نفسها ببلاهة مرددة ذات الجمل الإنشائية .
نفس أخير
* إن نجحت مفاوضات فضائية (S24) مع ضياء الدين فإن القناة الوليدة ستبدأ من حيث أنتهت (الشروق) .