وهكذا تسفر أمريكا عن وجه جديد وتعلن عن استراتيجيتها في مواجهة الإسلام السني متعللة بأحداث سبتمبر التي دكّت برجي التجارة في نيويورك ومتخذة ما قام به به أولئك الشباب ، الذين ينتمي معظمهم إلى السعودية ، مبرراً لاعتبار الإسلام السني مفرخاً للإرهاب وعدواً استراتيجياً نرى هذه الأيام بعض ما تضمره وما تفعله في مواجهته.
فقد قال الرئيس الأمريكي باراك أوباما لمجلة اتلانتيك :(إن السعودية رعت التطرف الإسلامي الوهابي في العالم خلال الثلاثة عقود الماضية ودعمته بالأموال والأئمة).
قبل ذلك أعلن أوباما خلال حديث نشر مؤخراً أن من بين الخطوات التي يجب أن تتخذ في سبيل مواجهة الإرهاب أن يدعم الشيعة بما يعني أن أمريكا قد قررت شن الحرب على الإسلام من خلال دعم الخزعبلات والأباطيل والخرافات التي يزخر بها المذهب الشيعي، ولا غرو أن يتجسد ذلك في الاتفاق النووي الذي أبرم مع إيران والذي نصبها شرطياً أمريكيا على الجزيرة العربية في دور يشبه ذلك الذي كانت تضطلع به أيام الشاه قبل أن يقفز ملالي إيران إلى سدة الحكم بقيادة الخميني.
قبل الاتفاق النووي الأخير تجلت الاستراتيجية الأمريكية – التي كانت مخفية عن أعيننا – في احتلال العراق وتسليمه إلى إيران لقمة سائغة بدون أن تبذل في سبيل ذلك شيئاً من مال أو رجال.
وهكذا اختفت فجأة شعارات الموت لأمريكا ولقب الشيطان الأكبر وغير ذلك من الهتافيات التي لطالما صدعت إيران بها رؤوسنا والتي كانت جزءاً من مسرحية فقه (التقية) التي كانت إيران تخادعنا بها ونحن في غمرة ساهون وكأننا مخدرون.
إحدى الخدع الأمريكية الجديدة التي فاجأنا بها أوباما لكي يقلل من آثارها علينا أن يعلن أن مشكلة أمريكا تقتصر على الإسلام الوهابي وذلك حتى تحشد أمريكا المعادين لذلك المذهب خلفها مستغلة حالة الانقسام والتمزق بين الفرق الإسلامية والعداء الذي تكنه كثير من المذاهب والطوائف الأخرى ، خاصة الطرق الصوفية ، للمذهب الوهابي، ولكن ما أخبث تلك الاستراتيجية الساذجة التي تمتلئ بالثقوب؟.
من السهولة بمكان دحض تلك الفرية من خلال الأسئلة التالية: هل كان الرئيس العراقي صدام حسين وهابياً وهو يروع إسرائيل بصواريخه وشعاراته المعادية، وهل كان عبدالناصر وهابياً حين واجه الغرب بشعاراته العروبية التحررية، وهل كان الإسلاميون في شتى الدول الإسلامية التي حكموها أو التي يعارضون حكوماتها وهابيين وهم يعملون ليل نهار على تخليص العالم الإسلامي من الهيمنة الأمريكية ومن الاستلاب الثقافي والحضاري والغزو الثقافي الغربي؟
تتهاوى تلك الحجة الداحضة بمجرد مواجهتها
بالفحص المجهري الدقيق الذي يكشف عوارها فامريكا في سبيل إيجاد مبررات تسوغ عداءها للإسلام تتجاهل حقيقة أنها وحلفاءها الغربيون شنوا حرباً صليبية لم تبق ولم تذر في شتى أنحاء عالمنا الإسلامي قبل الحرب العالمية الأولى مروراً بسقوط الخلافة العثمانية والحرب العالمية الثانية وزرع إسرائيل في قلب العالم الإسلامي بل في أرض الأقصى قبلة المسلمين الأولى وعهود الاستعمار والإذلال التي لطالما عانى منها المسلمون وحربي أفغانستان والعراق وحتى الحروب المشتعلة في عالمنا الإسلامي اليوم بل إني لا أجافي الحقيقة لو قلت إن الغارة على العالم الإسلامي بدأت منذ سقوط الأندلس وما كان للأمة الإسلامية وفيها قرآن يتلى ويزأر محرضاً على القتال لحفظ بيضة الدين وكرامة المسلمين وعزتهم أن تنام إلى الأبد، ولذلك قامت حركات المقاومة الإسلامية التي لا يمكن اختزالها بأي حال في مذهب دون آخر فقد جرحت الأمة في كرامتها وذاقت من صنوف الهوان ألواناً ومزقت شر ممزق.
المتغير الأكبر الذي جعل أمريكا تسفر عن وجهها الكالح الأخير هو ما طرأ على سوق البترول الذي ما عاد سلعة استراتيجية تتحكم بها المملكة العربية السعودية ودول الخليج على مصادر الطاقة في العالم خاصة بعد اكتشاف البترول الصخري الذي حول ميزان القوة إلى امريكا وجرد السعودية والخليج مما كان سلاحا في أيديهم الأمر الذي جعل أمريكا تخرج أضغانها وتعلن عن توجهها الذي كان مخفياً تحت عباءة مكر السياسة ودهائها.
من هنا نستطيع أن نفهم التحرك الأمريكي الابتزازي الأخير في مواجهة السعودية والذي يريد أن يصدها عن الروح الاستقلالية التي برزت مؤخراً في سياستها الخارجية فقد أصدر مجلس الشيوخ الأمريكي قانوناً يقر محاكمة أمراء سعوديين بتهمة التورط في هجمات سبتمبر ويسمح القانون لأسر الضحايا مقاضاة الأمراء بل وربما الدولة السعودية مما يهدد بمصادرة مئات المليارات من الأرصدة السعودية المودعة في البنوك الأمريكية.
إنها أمريكا .. الشيطان الأكبر تعمد بهذه السهولة إلى إصدار القوانين التي تصادر بها أموال الدول الأخرى وترسل طائراتها عبر البحار لتدمر وتخرب وتقتل.
بالله عليكم أليس من حق الشعوب أن تقاضي تلك الدولة الشيطانية وصويحباتها من الدول الاستعمارية على ما على ما اقترفوا في حق عالمنا الإسلامي؟.