قبل أشهر قليلة وتحت جنح الليل كانت قوة من الشرطة تحتل الميدان الجنوبي من جامعة النيلين ..إدارة الجامعة تحركت على عجل وأجرت اتصالات مع عدد من المسؤولين..قبيل الفجر انفض سامر الشرطة..ولكن المحاولات تكررت نحو سبع مرات كما أفاد مدير جامعة النيلين..الإمعان في الخيال ومحاولة رسم السيناريو الأسوأ تصنع سؤالاً ماذا إذا لم تنسحب الشرطة وحدثت المواجهة المتوقعة بين الطلاب المتحمسين والعسكر المتحفزين..لا شك أن ذاك السيناريو كان سيقود البلاد إلى مربع جديد من الأزمات.
الحقيقة أن النزاع بين جامعة النيلين وإدارة الشرطة فيه بعض التعقيد وزادته القرارات الحكومية تعقيداً..الأرض المتنازع عليها تبلغ نحو نصف مليون كيلومتر مربع في وسط الخرطوم..بعض هذه المنطقة مارست عليها الشرطة سيادة فعلية وقد كان يسكنها جنود الشرطة فيما يعرف بإشلاق الحجر..وجزء من الأرض كان عبارة عن مباني يقيم فيها أساتذة جامعة القاهرة فرع الخرطوم.. بعيد إنشاء جامعة النيلين صدر توجيه من رئيس الجمهورية في ١٩٩٥بتمليك الجامعة الوليدة الأراضي الحكومية المجاورة حتى تتوسع .. بالفعل انسحبت الشرطة من مساكنها وصارت الأرض متنفساً طلابياً ..لكن إدارات جامعة النيلين لم تشرع في تحويل التوجيه الرئاسي إلى أفعال في أرض الواقع.. وفي ذات الوقت تمددت الشرطة في بعض المساحات وأنشأت مؤسسات شرطية مثل إذاعة ساهرون وشرطة الأجانب.
الجديد أن جامعة النيلين في عهد المدير الجديد البروفسور محمد الأمين أحمد نفضت الغبار عن الملف المسكوت عنه..شرعت الإدارة الجديدة في وضع خرط لمبان جديدة تستوعب الازدحام الطلابي الذي يبلغ قرابة المائة ألف طالب.. أنشأت جامعة النيلين سياجاً حول الميدان المتنازع عليه فعدت الشرطة الأمر استفزازاً..هنا مارست الشرطة سياسة إبراز العطلات المسنودة بالسلطة..فيما تحركت جامعة النيلين في مساحات أخرى فحصلت على توجيه رئاسي في مارس الماضي بأيلولة الأرض لها وبالفعل استخرجت شهادات ملكية..الفعل المباغت دفع الشرطة أن ترمي بعصاها..فجاء قرار في التاسع من الشهر الجاري أعاد الأرض إلى الشرطة.
في تقديري.. وبعد المقدمة الطويلة أن الأمر يحتاج إلى تسوية تتجنب إحراج مؤسسة الرئاسة..الشرطة من زمن بدأت مشروعات إقامة معسكرات خلوية وبناء أبراج سكنية في أطراف المدن..هذه الإستراتيجية تستوعب أهمية إخراج المؤسسات العسكرية من وسط المدن..المخطط الهيكلي لولاية الخرطوم أسهب في مثل هذه التفاصيل بل أن خطوات عملية حدثت على الأرض وغادرت كثير من المؤسسات العسكرية وسط المدينة ومنها ما ينتظر..جامعة النيلين من الأيسر لها أن تتوسع في المجال الحيوي القريب من قلب الجامعة وعليها ألا تستبعد خيار الهجرة إلى أرض فسيحة..من هنا يمكن أن تكون التسوية في صالح الشرطة والجامعة ..التسوية تقوم على اقتسام الأرض مع مبدأ التعويض للمتضرر ..الشرطة تحوز على الأرض البعيدة من قلب الجامعة فيما تنال النيلين كل الأراضي المجاورة.
بصراحة.. أي خيار آخر يجعل الأوضاع مجرد قنبلة موقوتة..كل ما حدث في جامعة الخرطوم كان مجرد تصريح أسيء فهمه..نحن الآن أمام مواجهة تحتاج لتدخل الحكماء.