انظر ماذا يفعلون بك؟ ماذا يفعلون بتراثك؟ بهويتك؟ بآثارك؟ بتاريخك؟ انظر جيداً، لا تمر على الأخبار والصور والأحداث مرور الكرام ولا مرور العميان، ولا مرور الإهمال واللامبالاة، لأن ما يحدث مخيف جداً ولا يمكن تصديق خطورته، كل ما في الأمر أننا غافلون عن هذا الذي يدور في الخفاء أو لا نعرف عنه شيئاً لأسباب مختلفة، منها أننا لا نتابع ولا نقرأ ولا نهتم، ومنها أننا نخاف دائماً ونهرب من المواجهات، على الرغم من أن وجودنا مستهدف بشكل واضح وعلى أكثر من مستوى!
إن مبدأ التدافع والصراع وبقاء الأقوى هو ما يحكم الحياة في حقيقة الأمر، وهذا ما يعزز مبدأ القوة دائماً، صحيح أن الله خلق الناس شعوباً وقبائل لتتعارف، لكنه لم يفرض عليهم الأخذ بمبدأ تحري المصلحة الفضلى لبعضهم البعض.
أما مبدأ التحالفات فمجرد خيار براجماتي ظرفي تستدعيه أو تفرضه المصلحة التي تتغير بتغير الأحوال والأزمان، السائد والذي نراه ونعيشه هو الصراع والغلبة، وإحدى أدوات الصراع اجتثاث الآخر واستعباده وتشويه هويته: تاريخه وآثاره ولغته وفنونه، وغير ذلك من تفاصيل وجوده وذاتيته!
لنقف قليلاً أمام صفحات التاريخ: المغول ألقوا كتب دار الحكمة في النهر، وهي ثروة لا تقدر بثمن، والسلطات ضيقة العقل صادرت أفكار العلماء والمجددين والفلاسفة بتهمة غبية لا معنى لها هي الزندقة والهرطقة، أميركا سرقت أرض حضارات المايا والآزتك وقتلتهم وصادرت كل ما يخصهم، المستعمرون الأوروبيون فرضوا لغتهم وقوانينهم وحرموا العربية، «إسرائيل» صادرت أراضي عرب فلسطين وتراثهم، سرقت موسيقاهم ورقصاتهم وحتى أنواع ثيابهم وأكلاتهم وادّعتها لنفسها و..إلى آخر الحكاية الأزلية!
الآن تذكروا سريعاً: ماذا فعل الجيش الأميركي في أول ساعات دخوله بغداد؟ فتح المتاحف وأباحها للنهب والسرقة، وكذلك القصور والمكتبات ومراكز الوثائق الوطنية، وفي أحداث مصر حين تم خلع محمد مرسي وشاعت الفوضى في القاهرة؟
وفي سوريا؟ ولا تنسوا كل ما نتعرض له من تشويه مفتعل لديننا وتراثنا وهويتنا تحت شعار محاربة البدع وحفظ الدين، فتحت هذا الشعار المشبوه تم تدمير تاريخ حقيقي من الآثار والمتاحف والمساجد والمكتبات والجامعات والأسواق والأحياء القديمة والقصور والشواهد وتعود لعصور ودول وحضارات توالت على هذه المنطقة مانحة إياها هذا العمق وهذا البريق الحضاري الذي لا يشبهه أي بريق في العالم!
الطرق المستمر على وتر البدع هذا وتوظيف الدين بشكل مسيء ولأجل غايات مشبوهة بات مكشوفاً، إنه نوع من السرقة في وضح النهار، والسؤال: لماذا نسكت؟ وكيف نقف في وجه هذا الخراب الذي يشوه كل شيء، ويشوه الدين باسم الدين؟!
البيان