“لعنة منصب” مغادرة ممثل “المستقلين” لمقعد مسؤول الإعلام ربما يعيد الجدل حول الكرسي ومن تعاقبوا عليه فبينما تباعدت خطى “الأمة” و”الشعبي” عن “التحالف” و “المؤتمر السوداني” و”البعث”

يكتب بكري يوسف الأمين السياسي لحزب المؤتمر السوداني بيانه الأخير، ويعلن مغادرته لمنصب أمانة الإعلام بتحالف الإجماع الوطني.. يوسف كان قد تسنم سدة الموقع عقب مغادرة محمد ضياء الدين مسؤول الإعلام بحزب البعث العربي الاشتراكي له، تحت حجج تباين مواقف حزبه مع مواقف التحالف؛ وبالتالي فإن الأخير اختار البعث على حساب التحالف. ويفسر بكري خطوته الأخيرة بأنها تأتي تعبيراً عن حالة عدم الرضا مما يجري داخل أروقة التحالف المعارض بشكل عام، وأنه لابد من إعادة النظر في ما يدور من أنشطة. ولربما يعيد الأمر للأذهان التلويح السابق لرئيس حزب المؤتمر السوداني عمر الدقير بإمكانية مغادرتهم التحالف برمته في إشارة للخلافات بين مكوناته ولعدم وضوح الرؤية بشكل عام.

مغادرة ممثل حزب المؤتمر السوداني لمنصب مسؤول الإعلام بالتحالف ربما تعيد الجدل حول المنصب نفسه ومن تعاقبوا عليه في فترات متعددة. المفارقة تبدو في إن الأمين السابق لمنصب الناطق الرسمي كان هو المتحدث بلسان الحوار الآن كمال عمر وقبله جلست عليه مريم الصادق المهدي ممثلة لحزب الأمة القومي. بدا المنصب وكأنه يمثل الطريق نحو مغادرة التحالف وإنجاز خطوات أخرى في سبيل السعي نحو ضعضعة النظام الحاكم والاستمرار في مشروع المقاومة أو مشروع الاندغام معه.
في أوقات سابقة كان البعض يطلق على لجنة الإعلام التابعة لتحالف الإجماع الوطني لجنة (مريم) في إشارة للنشاط الكثيف الذي كانت تقوم به القيادية في حزب الأمة وقدرتها على خلق حالة من التقارب بينها والصحافيين لدرجة أن التلفونات والإيميلات كانت بالكاد تخلو من رسالة تتعلق بنشاط أو موقف للمعارضة. كانت الرسائل تاتي تباعاً قبل أن يفاجأ الجميع بمغادرة المنصورة لمنصبها في الإجماع ومغادرة حزب الأمة للإجماع برمته.

بعدها تحول لسان المعارضة إلى الأمين السياسي للمؤتمر الشعبي كمال عمر. ومع كمال كان ثمة موعد مع معارك جديدة بين المعارضة والحكومة، عمر لم يأل جهداً في استخدام أي توصيف من شأنه التقليل ممن يجلسون في القصر وطريقة إدارتهم للدولة وكانت ردوده حاضرة على الدوام مثل حضوره في مانشيتات الصحف وهو يكشف النقاب عن مواقف المعارضة وعن حراكها، كان يجلس متوجاً في المقعد المخصص له في المؤتمرات الصحفية فهو هنا لسان حال كل القوى التي تقول (لا) في مواجهة من قالوا نعم. فجأة بدا عمر وكأنه كان يغني للعزلة، انطلق مشروع الحوار الوطني مع (الوثبة) واختار الشعبي القفز من سفينة المعارضة المثقوبة بعجزها عن تحقيق تطلعات شعبها وبغرقها في المشكلات التي لا حلول لها، ابتعد عمر عن الكرسي المخصص له في دار الحزب الشيوعي بالخرطوم 2 أكثر مكان عقدت فيه مؤتمرات صحفية للمعارضة، ابتعد عمر عن لهيب شمس المعارضة الحارقة إلى الكرسي الوثير في قاعة الصداقة وهو ينطق بلسان المتحاورين، يسبقه إلى ذلك شيخه الراحل وحزبه الكائن بالمنشية. الشعبي خارج تحالف المعارضة بل صار اللسان الذي يحرقها بحمم الانتقاد، إذن لابد للممسكين بجمر المواجهة من لسان جديد.

في الثالثة كان البعث لها محمد ضياء الدين يتجاوز جدلية الكتابة على (الجدران) كأسلوب للمقاومة اشتهر به حزبه ويمسك بمقاليد اللغة يضبطها في سبيل تحقيق الغاية ولا ينسى أن يمهرها بتوقيع تحالف الإجماع الوطني وبضرورة استمرار معركته من أجل إسقاط النظام وأن الفعل هنا للشعب وحده وليس عبر التسويات القادمة من الخارج. الحزب الذي يؤمن بفرضية أنه لا تفاوض ولا حوار مع من أوردوا الشعب موارد الهلاك كانت تلك الأوقات هي أوقات المواجهة بين الإجماع والحكومة مواجهة يقودها رافعو لواء عدم التسوية مهما كانت الظروف، استمر البعث ناطقاً بالإجماع إلى حين الوصول إلى محطة نداء السودان وبترتيباتها الجديدة عندها خرج ضياء الدين على الملأ ببيان أعلن فيه مغادرته منصة إعلام الإجماع مبرراً ذلك بأن الرؤى التي يتبناها حزبه تختلف عن الرؤية الجديدة التي يمضي في سبيلها التحالف، عليه فإنه يرجو من الجميع القبول بترجله عن المنصة الإعلامية، وهو هبوط لا يشمل بالطبع مغادرة البعث لمنصة المعارضة برمتها وإنما سيبقى جزءا من العمل الجماعي الذي يستهدف تحقيق تطلعات الشعب السوداني وهو الموقف الذي أوضح مدى التباين في الرؤى بين المكونات المعارضة بل أقعدها عن أداء دورها المنوط بها لتقف في محطة رد الفعل لأوقات عدة.

هبوط البعث من منصة الإعلام فتح الباب لصعود غريمه في البرنامج السياسي حزب المؤتمر السوداني لتبدأ بعدها مرحلة بكري يوسف الذي صار ناطقاً بلسان المؤتمر السوداني ومعبراً في الوقت ذاته عن تطلعات الإجماع الوطني في مرحلة يمكن أن يطلق عليها مرحلة البيات الشتوي للمعارضة، وهو بيات كان يخرج للعلن في معارك ساخنة بين مكوناتها حول مجريات نداء السودان والموقف منه بين القبول بمخرجاته وبين معارضته بشكل واضح من بعض المكونات وعلى رأسها حزب البعث العربي الاشتراكي، كل المعركة كانت تدور حول القبول بمبدأ التسوية المدعومة من الخارج وبين رفضها تماماً لدرجة أن بيانا خرج ممهوراً باسم تحالف الإجماع الوطني في وقت ما ليخرج في اليوم الثاني المؤتمر السوداني ويقول إنه لا يمثل رؤى التحالف وإنما يمثل رؤية حزب واحد يسعى من أجل توظيف التحالف لخدمة أجندته وهو ما دفع قيادات المؤتمر السوداني للقول بوضوح إذا كان نداء السودان لا يعبر عن البعثيين فعليهم مغادرة التحالف نحو منصة أخرى وألا يعملوا على تعطيل الأنشطة المعارضة من خلال هذه المواجهات، لم يعلق البعث على هذا الأمر واكتفي بالبقاء داخل التحالف حتى الآن.

غادر بكري يوسف منصة أمين الإعلام بالإجماع.. البعض يرى أن المغادرة قد ترتبط بالتحولات الجديدة في الحزب عقب مؤتمره العام خصوصاً وأن الشاب غادر منصة الإعلام التي يشغلها الآن محمد الحسن عربي الذي من المحتمل أن يكون الخليفة الجديد في المنصب لكن إعادة تسميته ترتبط وبشكل كبير بمدى استعداد الحزب للاستمرار في تحالف بات لا يرضي طموحاته ورؤاه في سبيل تحقيق التغيير المنشود وهو ما يجعل من حكاية مغادرة منصة الإعلام الخطوة الأولى لمغادرة التحالف برمته على خطى الأمة والشعبي من بعده.

الخرطوم – الزين عثمان
صحيفة اليوم التالي

Exit mobile version