فكرة الرئاسة سواء أكانت بالغصب أو بالوراثة في المجتمعات الشرقية لا تزال مرتبطة بعقدة الأبوة، والشعوب التي لم تتخلص بعد من عقدة الأب لن تعرف طريقها إلى الديمقراطية، هكذا استهل الزميل المغربي علي أنوزلا مقالته المنشورة بموقع (هنا صوتك). هل يمكن أن توجد دولة بدون رئيس؟ الرئيس حسب القوانين المحلية والدولية هو الممثل الأسمى للدولة المكونة من أرض وشعب ينظم نفسه من خلال مؤسسات توجد على رأسها مؤسسة الرئاسة. هذه هي الصورة النمطية التي نجدها في كراسات القانون. وصلاحيات الرؤساء تختلف من دولة إلى أخرى حسب طبيعة النظام السياسي المعتمد.. في الأنظمة الرئاسية، الرئيس هو صاحب السلطة التنفيذية في البلاد. وفي الأنظمة البرلمانية، يكون منصب الرئيس شكلياً. وفي بعض الأنظمة يقتسم الرئيس سلطته مع رئيس الحكومة. لكن في جميع الأنظمة وعبر التاريخ يبقى رئيس الدولة سواء أكان منتخباً أم لا أو وراثياً، منصبا رمزيا بالدرجة الأولى لتمثيل الدولة بروتوكوليا. ولذلك فقد احتفظت كل الدول بما فيها تلك التي لا تعتمد على أنظمة رئاسية على منصب رئيس الدولة الذي يرمز إلى وحدتها واستقلالها. فهل يمكن أن توجد دولة بدون رئيس، أو يوجد نظام بدون رئيس؟ في الكثير من دول الكومنولث وجود رئيس الدولة الذي تمثله الملكة البريطانية هو مجرد منصب رمزي كما هو الحال في الهند وأستراليا وكلاهما من أكبر وأهم الديمقراطيات في العالم، ونفس الشيء بالنسبة لبعض الدول الاسكندنافية الملكية، حيث يمثل الملك منصب رئيس الدولة لكنه منصب فخري. والتطور الذي تعرفه الديمقراطيات الذكية كما هو الشأن في ألمانيا يسير نحو التخلص من مفهوم الرئيس، بل وحتى من كلمة (رئيس) التي يستعاض عنها في النظام الألماني بكلمة (مستشار) أو (مستشارة) (كما هو الحال اليوم) الذي يمثل السلطة التنفيذية الحقيقية في البلاد. لكن هذه الصورة النمطية للأنظمة الرئاسية بكل أشكالها تم تكسيرها في لبنان. ففي 24 مايو الجاري سيكون قد مر عامان على شغور منصب الرئاسة في لبنان. وطيلة سنتين عاش لبنان بدون رئيس في ظل أخطر أزمة سياسية تمر بها المنطقة. ومع ذلك، فإن من يزور اليوم لبنان سيفاجأ بقدرة هذا البلد الصغير على تدبير أموره داخل دوامة لعبة الأمم بدون رئيس، ودون أن تؤثر النيران المشتعلة على حدوده في الشمال والجنوب على وحدته وتماسكه، وأكثر من ذلك على حياة مواطنيه اليومية. من شرطي جوازات المرور في المطار الذي تستغرب من أين يستمد سلطته ليمنحك تأشيرة دخول في خمس دقائق، إلى سائق التاكسي الذي يسلمك توصيلاً مختوماً بكلفة الرحلة بعد نهاية مشوارك.