آدم الفكي .. والٍ هبط من الجبال إلى التلال
الفكي يرسم مشهد جنوب دارفور بين الصراعات وقضايا الأمن
عقبات حالت دون وصوله إلى الهدف
الخدمات تتراجع إلى الوراء.. والمعتمدون يصرخون
عبر هذا الملف تحاول “الصيحة” إجراء تقييم وتقويم لأداء ولاة الولايات، بعد انقضاء عام كامل على تعيينهم ولاة في مثل هذه الأيام من العام الماضي، وعبر هذه الحلقات تضع الصحيفة كل واحد منهم تحت مجهر المراقبين والمقربين من مطبخ كل ولاية، تقييما وتقويما فيما يتعلق بالإنجازات التي تحققت والإخفاقات التي لازمت مسيرة كل والٍ، فضلا عن العقبات التي حالت دون تنفيذ البرامج التي تعهد الولاة بها بعيد تسلمهم المهام، إلى جانب بروز التيارات والأجنحة المتصارعة داخل الحزب الحاكم وهي ما عرفت بالحرس القديم، وننشد بهذه القراءة التحليلية كما ذكرنا تقييم وتقويم أداء ولاة الولايات خلال عام مضى حتى يستصحبوا معهم الإيجابيات والوقوف على الجانب السلبي منها وتجنبه فيما تبقى من عمر التعيين.
في يونيو 2015م، أعلن رئيس الجمهورية أسماء الولاة الجدد وفقاً للنظام الجديد المعتمد بالاختيار وليس الانتخاب، فكان المهندس آدم الفكي محمد الطيب من نصيب جنوب دارفور، واستبشر الناس بالرجل خيراً، وخرجوا لاستقباله بصورة عفوية تحمل في طياتها الأمال العراض التي يرجونها وينتظرونها من القادم الجديد خاصة وأن الولاية كانت تعيش حالات من التردي غير المسبوق مما دفع بالمواطن حملها على طبق ليستقبل بها الفكي، والفكي كلمة تحمل دلالات ومعاني كبيرة وعميقة وعظيمة بدارفور. وملفات كثيرة كانت تنتظر الرجل، ومنها الأمن والتردي الخدمي بانعدام للكهرباء وشح المياه والصحة الغائبة والتعليم القشي الذي تزروه الرياح صباح مساء. فالولاية كانت صورة شائكة وقاتمة الملامح والمواطن المسكين المغلوب انحنى ظهرة من حمل قفة الملاح، وقد يخرج ولا يأتي بنفسه ناهيك عن كيس الخبز والخضار لصغاره ، يا ترى هل قلب الفكي كل الملفات وغاص في أعماقها أم تشابكت عليه الدروب ودخل الدرب في (الألمي) في ولاية عرفت بالصراعات ومنطقة تتقاطع فيها الكثير من الخطوط القبلية والمناطقية والمصالح المشتركة وفي غمارها تحدث الكثير من التعرجات والمنحنيات التي قد تنزلق بالسائر إن لم يتبصر الأمر ببصيرة ووعي مدركاً كنهها ومتعرجاتها، فبطرق الولاية تتفاجأ بشجرة تعترض الطريق لا تدري من أين تأتيها أو أن الطريق يمر تحت شجرة تتدلى فروعها وأغصانها الشائكة فتلامس المار من تحتها فتنزع عمامته أو طاقيته من رأسه، هل هذا ما فعلته عربة المهندس آدم الفكى فهي بين المرور يميناً ويساراً وجدت مقدمتها تعانق جذع الشجرة العملاقة العميقة الجذور وبين أن يلملم عمامته أو ينزع قبعته إذا بأغصان الشجرة وأشواكها تنزعها عنه رغماً عن إرادته .
تشابه ملفات
في مثل هذه الأجواء التي تعيشها جنوب دارفور يتطلب من واليها أن يكون بمواصفات قد ينطبق بعضها على المهندس آدم الفكي من حيث البيئة المتشابهة ومعاناة المنطقة التي جاء منها والياً الأمن وتردي الخدمات والفقر والنزوح واللجوء، كلها عوامل مشتركة مرت على الرجل والمؤمل أن تشهد الساحة الجديدة التي قدم إليها حلولاً جذرية من واقع الخبرة والخلفية مع تغيير فى بعض الظروف المساعدة هنا، ولكن هل أفلح الرجل أم استعصت عليه الأمور وصعب عليه تخطي حوائطها عالية الأسوار أم يا ترى تعامل الرجل بعقلية غير عقلية المنطقة وفهمها غير فهم المنطقة، حيث التباين في التركيبة البشرية رغم وحدة السودان، فتباين الطبائع يختلف بل يتباين تبايناً كبيراً، وهل غابت عن الفكي مؤشرات البوصلة والاستقبال الذي حظي به يوم وصوله إلى مدينة نيالا والخروج العفوي لجماهير الولاية والمدينة لاستقباله وهو ما لم يكن يتوقعه بهذا الكم والكيف فأدخل في النفس شيطان النفس هل ذات الشيطان الذي استجلب الفكي لطرده التبس وتلبس قد يكون شيئاً من ذلك خاصة والنجاحات الأولى التي تمت بعيد وصوله في بعض الأصعدة هيأت للرجل ذلك المسار، فسار في الدرب الشائك بلا رفقة، وترك الرفقة يورد دروب المهالك، وقد تدخل المرء في (الكركور الضيق). رؤى مختلفة نتلمسها ونستجمع رؤيتها في الموقف بأجمعه بعد عام من حرارة وحفاوة اللقاء.
ثيرمومتر التقييم
في حديث الوالي عن التعليم أشار إلى أن المستوعبين بمرحلة الأساس بولاية جنوب دارفور 32%، فقط من جملة المفترض، حيث من المفترض أن يكون هناك اكثر من مليون تلميذ في مرحلة الأساس بينما الموجود حالياً فى حدود 400 ألف، مما يعني أن هناك أكثر من 800 ألف موجودون ولم يدخلوا في الحلقة التعليمية، أليست هذه كارثة كبرى، والشعار المرفوع 2016م عام التعليم وأين نحن من شعار القضاء على محو الأمية 2020م العدد المستوعب حالياً فاقد للبيئة المدرسية في حدها الأدنى فكيف أن جاء إليه ضعفه إن كانت هذه مرحلة الأساس فهناك أيضاً مشكلة في المرحلة الثانوية، والوالي يقول الذين جلسوا للامتحان هذا العام من الولاية 35 ألف طالب وطالبة، ونحن ثاني ولاية بالسودان من حيث التعداد السكاني بعد ولاية الخرطوم التي جلس فيها هذا العام أكثر من 170 ألف طالب، وسكان جنوب دارفور يقترب من 5 ملايين نسمة، كيف يمكن هضم هذا الحديث دون أن يحدث عسر، ثم الحكاية لا تقف هنا حيث يقول الوالي: هذا العدد 35 ألفاً منهم نحو 17 ألفاً عائدون، فالممتحنون فعلياً نحو 20 ألف طالب وطالبة وتزداد الغرابة أكثر والوالي يقول منهم ثمانية آلاف فقط جلسوا للامتحان من المدارس الحكومية والـ 12 الفاً من المدارس الخاصة، وهذه أيضاً إشكالية كبرى تعني أنه لا وجود للمدارس الحكومية، ويقول الوالي في معرض حديثه في بعض المحليات دون ذكر الأسماء يوجد 400 طالب ممتحن منهم فقط 20 طالباً من المدارس الحكومية والبقية من المدارس الخاصة بينما المدرس هو ذات المدرس والمباني التي يتلقون فيها الدراسة هي ذاتها المدارس الحكومية ولكنهم يجلسون باسم المدارس الخاصة من داخل المدارس الحكومية، أليست هذه أم المشاكل بجانب المشكلة في الكتاب، ويقول إنهم يعملون لتوفير مبالغ لتطوير مطبعة وزارة التربية حتى تتم طباعة كل الكتاب المدرسي هذا العام بنيالا، وهناك جهود مع الوزارة الاتحادية وجهات أخرى كالسلطة الإقليمية لدارفور. عام مضى ونحن مقبلون على عام جديد دون أن نتحرك من المربع الأول .
صورة قاتمة
الصورة أكثر قتامة من ذلك، عندما يقول الوالي: إذا عالجنا الكتاب والاجلاس والاستيعاب الآن لدينا 3196 فصلاً قشياً بالولاية، منها ألف فصل بمدينة نيالا وبالطبع هي حاضرة الولاية، ويقول لذلك جلبنا ماكينات تصنيع الطوب البلك وسنعمل نفرة للمواطنين لمعالجة مسألة الفصول القشية، وفي التعليم قبل المدرسي قال يمثل 14% فقط (من جملة المفترض أن يكون بالدراسة)، هناك محليات لا توجد بها إلا روضة أو روضتان، وبالتالي التعليم قبل المدرسي غير موجود على أهميته للالتحاق بالمدرسة، فمن الصعوبة رفع معدل الاستيعاب في مرحلة الأساس وهذه مشكلة كبيرة، ويقول أي مشكلة لإيجاد الحلول لها لابد من معرفتها، ونحن عرفنا وقمنا بتحليل المعلومات ووضعنا خطة الحلول وأزمنة للحلول وأعتقد أنه يمكن لنا الحركة بصورة سلسة ومتدرجة نريد حلها بالنفرة العامة، وكما ذكرت سابقاً لدينا 10 ماكينات بلوك الماكينة تنتج في اليوم 600 – 1000 بلك هذه العشر عن طريقها يومياً يمكن لنا إنجاز عشرة فصول، فالفصل الواحد يحتاج إلى ألف بلك .
زيارات فوق العادة
زيارات والي ولاية جنوب دارفور المهندس آدم الفكي محمد الطيب للمحليات كشفت كل هذا المخبوء لا نتكلم عن قرى وحلال وفرقان بل عن محليات ومعتمدي محليات، مسميات ولافتات أيعقل أن تتشارك كل هذه المحليات ذات المأساة وذات المعاناة خطباء الأهالى بهذه الزيارات يشتكون من العطش ويشتكون تردي الخدمة الصحية درجة الانعدام وتدهور التعليم وبيئة التعليم.
إذن ماذا بقي بفقدان الماء والصحة والتعليم النساء يسرن المسافات الطوال لجلب الماء ويمتن لعدم وجود القابلة والبنات لا يجدن الفصل والمعلمة كيف لا وها هم الأولاد يهيمون في الخلاء بسبب انعدام المدارس او بيئتها الطاردة فأنى للبنت أن تجد ذلك .
الحال كما هو
هذه الصورة القاتمة الكئيبة تنتقل من محلية إلى محلية خطباء الأهالى رفعوا الصوت العالي يشيرون إلى المعاناة ويشخصونها، المعتمدون جأروا بالشكوى المرة أمام مواطنيهم بالعطش والصحة المتردية والتعليم المفقود، مدارس متهالكة وفصول آيلة للسقوط بلا إجلاس، بلا شبابيك وأبواب وجدران متصدعة شفخانات عشعش فيها البوم والعنكبوت وصارت مأوى ومرتعاً للضال من الكلاب، الكآبة تراها في أعين الصغار والصغيرات وهم يشقون الفجر الأول ذهاباً لقطع المسافات الطوال على ظهر الدواب لجلب الماء لتكون عودتهم عند منتصف النهار، أي مأساة مثل هذه المأساة بدل أن يتجهوا حاملين حقائبهم المدرسية إلى فصول الدرس والتحصيل يخرجون في الصباحات الباكرة جداً لجلب الماء، وتلك التي تعاني آلام المخاض وأوجاع الولادة تتلفت يمنة ويسرة وفي عينيها هلع وخوف والآلام والمعاناة تزداد وتتوالى الطلقات والصرخات.
إن كان الأمر بمحلية واحدة أو محليتين لكان الأمر مقبولاً، ولكن أن تتشارك كل المحليات ويقيناً مني أن الأخريات يعانين من ذات الحال وأشد ويكفى أن محلية قريضة التي يرقد تحتها حوض البقارة المشروع المنقذ لمدينة نيالا من شبح العطش تشكو العطش، جأر معتمدها بصوت جهير حد الصراخ بما يعني أن الإنسان والحيوان والنبات يشتكي ويعاني من العطش والصورة تتكرر كلما تقدمت وتجولت مع جولات الوالي لدرجة الغثيان المحليات تتشارك المعاناة والعذاب والمحليات بلا خدمات طبية والمحليات ببيئة تعليمية تفتقر كل المقومات التعليمية والمحليات أرهق العطش كاهل أهلها وسكانها، ثم ماذا بقي بعد وهناك المياه، مياه نيالا من حوض البقارة بقريضة يقول الوالي بدأت التمديدات والمار على الطريق يلحظ العمل الجاري بتمديدات المواسير داخل الأرض، ولكن الوالي يقول تم حفر بئر واحدة وهناك 19 متبقية وأنها تحتاج إلى (مبلغ خرافي)، والخط الناقل يحتاج إلى مضخات تصل إلى ثلاثين مضخة فبعد كل ثلاثة كيلومترات لابد من تركيب مضخة لتضخ الماء الى التي تليها حتى تصل نيالا، وهذه المضخات تحتاج إلى مولدات كهربائية والمولدات تحتاج إلى الوقود والحراسات، والفنيون المتواجدون بصورة دائمة وبالطبع إلى قطع غيار والصيانة وبدلات ووسائل حركة من وإلى ومساكن، والحل يقول الوالي في وصول الكهرباء القومية (من سد مرو) ويقول: لذلك قمنا بعمل خطة إسعافية لمجابهة الصيف بحفر عشر أبار بوادي بليل لضخ المياه الى مدينة نيالا، كل الذي علم أنه بعد ثمانية عشر شهرًا بدءاً من ( مايو 2014م) سيتم ضخ المياه لمدينة نيالا من حوض البقارة، ولم تذكر هذه التفاصيل إطلاقاً في كل التصريحات السابقة بل بالعكس تماماً لكأن المواطن ينام ليلته فيصبح عليه الصباح وقد تدفقت المياه عبر المواسير من حوض البقارة، ثم لم تقف المسألة هنا بل هي مربوطة بتمديدات الشبكة الداخلية للمدينة حيث ما تغطيه الشبكة حالياً لا يتعدى 20% من المدينة، والسؤال هل الشبكة القديمة تتحمل الضخ الجديد القادم من حوض البقارة .
قائمة طويلة
إن القائمة طويلة، فالكهرباء والصحة وصحة البيئة والسلم الاجتماعي وجمع السلاح والمصالحات القبلية ومعسكرات النازحين والعودة الطوعية والغلاء الطاحن الذي ضرب الولاية والندرة في الذرة والدخن والسكر وعربات بوكو حرام التي امتصت النقد من التداول بين التجار فخلقت الركود التجاري وهذه قضية ستكون لها أبعاد في مقبل الأيام إن لم يتم تداركها ونيالا المدينة القرية الكبيرة التي أخذت تنام بعيد العشاء بسبب تردي خدمات الكهرباء التي تناقصت فيها ولم تعد قادرة على مدها بالتيار المطلوب مدينة نيالا أجبرت لتنظر بعين واحدة هذا المساء وتغمض الأخرى لترى بها في الغداة، تساؤلات عديدة تطرح نفسها من شاكلة إلى أي مدى سارت وتسير الولاية قدماً، وتتفاجأ بالإجابة العاجلة من واقع الحال الذي تعيشه بل قل إلى أي مدى تستطيع الولاية إيقاف تدحرج القاطرة إلى الوراء ام عليها أن تنتظر عاماً آخر لعل وعسى .
نيــالا: محمد المختار عبد الرحمن
صحيفة الصيحة