فاجأت الصحيفة الألمانية واسعة الانتشار (دير شبيغل) العالم بخبر عن اتجاه الاتحاد الأوربي نحو الشراكة مع الحكومة السودانية لمواجهة تدفق المهاجرين غير النظاميين إلى أوربا، الصحيفة أكدت وجود وثائق تشير إلى أن أوربا بصدد إرسال الكاميرات والماسحات الضوئية وخودام لتسجيل اللاجئين إلى الحكومة السودانية، بالإضافة إلى تدريب حرس الحدود والمساعدة في بناء معسكرين مع غرف احتجاز المهاجرين، وأكدت وزارة التعاون الاقتصادي والتنمية الألمانية أن الخطة التي وضعها الاتحاد الأوربي ملزمة على الرغم من عدم وجود قرارات قاطعة بتنفيذها حتى الآن.
دعم أوربي
الملاحظ أن العلاقات بين أوربا والخرطوم، ظلت تشهدًا انفتاحاً كبيراً خلال الفترة السابقة فقد تحدث السفير الإيطالي بالخرطوم فابريزوا لوبيسا إلى وكالة السودان للأنباء في وقت سابق، وقال “إن وجود سودان قوي ومستقر ضرورة أساسية لنا”، كما قال نيفين ميميكا مفوض الاتحاد الأوربي للتنمية والتعاون الدولي الذي زار الخرطوم في أبريل الماضي وأعلن عن منحة مقدمة من صندوق الطوارئ الأوربي مقدارها 100 مليون يورو لمعالجة أسباب الهجرة السرية والإتجار بالبشر، إذن ما هو سر هذا التوجه والتغيير في النظرة الأوربية للنظام القائم.
المراقبون يعتقدون أن أكبر معضلة أمنية تواجه الاتحاد الأوربي في الوقت الحالي هي الهجرة السرية المدعومة من عصابات الإتجار بالبشر، كما أن دول الاتحاد الاوربي تواجه في الوقت الحالي خطر تدفق الملايين من الناس عبر البحر الأبيض المتوسط من الشام والعراق بسبب الحرب المدمرة هناك، ومن افريقيا بسبب الفقر والمسغبة.
وكان الخبير الاقتصادي عادل عبد العزيز قد ذكر في مقال شهير له إن إيطاليا طلبت من الاتحاد الاوربي عقد اتفاق مع ليبيا بشأن الهجرة السرية وتهريب البشر القادمين من أفريقيا مماثل للاتفاق الذي أبرمه الاتحاد الاوربي مع تركيا بشأن اللاجئين عبر بحر إيجة وهو اتفاق يدفع بموجبه الاتحاد الاوربي 6 مليارات يورو لتركيا مقابل إجراءات محددة تقوم بها تركيا لمنع الهجرة السرية مشيرًا إلى أن أغلب الأفارقة الراغبين في الهجرة إلى أوربا يمرون عبر السودان إلى ليبيا ومنها إلى إيطاليا لهذا من الضروري أن يصبح السودان جزءاً من أي اتفاق يبرمه الاتحاد الأوربي مع ليبيا .. وقال عادل أن أي اتفاق لا يضمن السودان سيكون مصيره الفشل، وشدد عادل عبد العزيز على أن تفاوض الدبلوماسية السودانية مع الاتحاد الأفريقي يجب ألا يكون محدوداً في إطار تقديم 100 مليون يورو التي تعهد بها مفوض التعاون الدولي والتنمية الأوربي، مؤكداً على أن هذا الدعم المحدود لا يحدث أي أثر فعلي أو تغيير في أوضاع الفقر وضعف التنمية في السودان والدول المجاورة.
مجرد تنسيق
في حديثه للصيحة يقلل أسامة توفيق رئيس الدائرة السياسية بحزب الإصلاح الآن من خطوة الاتحاد الأوربي، وقال إن هذا الأمر مجرد تنسيق بين الاتحاد الأوربي والسودان ابتداء منذ العام 1997، حينها كان معتز موسى وزير الكهرباء الحالي قنصلاً في مدينة بون، مشيراً الى أن الحكومة الألمانية كانت تأتي بمئات المهاجرين واللاجئين الأفارقة الذين يدعون أنهم سودانيون فروا من النظام القمعي في السودان وقال أسامة إنهم كانوا يأتون للقيام بمعاينات لإثبات إن كانوا سودانيين أم لا مؤكداً على أنهم كانوا يجدون السودانيين فيهم يعدون على أصابع اليدين، وأوضح توفيق أن الاتفاق الذي يريد أن يبرمه الاتحاد الإوربي مع الحكومة ليس سوى خط دفاع متقدم داخل السودان فقط.
ابتزاز الدول الأوربية
من جهته، قال المحلل السياسي ومدير مكتب الترابي السابق المقيم في بريطانيا صديق محمد عثمان في حديث لـ(الصيحة) إن برنامج الشراكة الأوربية لمكافحة الهجرة واجهته انتقادات شديدة لأنه لا يتضمن أي آليات للضغط على الديكتارتويات لتطبيق معايير الحكم الرشيد، وذكر صديق بأن دول الحوض المتوسط قد شرعت في الاستفادة من الأموال المخصصة لذلك المشروع.
وذهب صديق أكثر من ذلك وقال إن بعض الدول بدأت بابتزاز الدول الأوربية من خلال شحنات مهاجرين في البحر الأبيض المتوسط، وأكد بأن دولة اريتريا استفادت من الأموال التي يقدمها الاتحاد الاوربي لمكافحة الهجرة إلى الدول الأخرى، حيث صعدت من حملتها في تهجير شعبها في وقت أعلنت فيه عن برامج مغرية للتحويلات المالية والتخطيط العمراني من قطع سكنية وأراض زراعية ومشاريع صناعية صغيرة لمغتربيها كما قامت إريتريا بتنظيم حملات في أروبا وأمريكا لتنظيم رعاياها، وشدد صديق على أن الأنظمة التي تتهافت على أموال المنح الأوربية التي وصفها لـ”الرشوة” لا يهمها العار السياسي والأخلاقي والفكري الذي يصاحب هذه الأموال المصبوغة فيما أسماه بأنانية العالم الأول الذي يدعي التحضر ولا يهمه أن تكون شعوب العالم الثالث بين سندان الديكتاتورية وأبواب الهجرة الموصدة في وجهها.
مقترحات بريطانية
صديق يرى بأن برنامج الشراكة كان من ضمن المقترحات البريطانية خلال مناقشات الاتحاد الأوربي لمسألة المهاجرين في العام الماضي، ومن بين المقترحات بناء سجون في صحراء ليبيا والجزائر تسمى معسكرات فحص متقدم لأوراق المهاجرين ومحاولة إغرائهم بالأموال للعودة الى بلادهم، ومن ثم إغراء حكوماتهم لاستيعابهم في مشاريع ممولة من الاتحاد الأوربي.
أفكار اليمين الأوربي
وكشف صيق بأن تلك الأفكار هي أفكار اليمين الاوربي المضاد لنزعات اليسار الديمقراطي الذي يدعم فكرة فتح الحدود الأوربية كما أكد على أن هناك حرباً خفية بين بريطانيا وألمانيا التي أعلنت نهاية العام الماضي أنها استقبلت مليون لاجئ، وتخطط لاستقبال 5 ملايين بحلول العام 2020 بتكلفة تبلغ 2030 من خلال دوران عجلة اقتصادها بدخول هؤلاء المهاجرين عجلة الإنتاج وسوق الاستهلاك، مشيرًا إلى أن بريطانيا تتخوف من أن توجهات ألمانيا من شأنها أن تعيد كابوس ألمانيا قبل الحرب العالمية وتغري بإعادة ملف دخول تركيا الاتحاد الأوربي وإحياء التحالف البريطاني.
تقرير: عطاف عبد الوهاب
صحيفة الصيحة