للإعلام في السودان أكثر من قضية، وأول قضاياه التي تهم الإعلاميين والمتلقين للرسالة الإعلامية- معا- بالدرجة الأولى، هي قضية: ممنوع النشر!
حين تظل السلطة- أي سلطة في العالم- ترفع باستمرار، شعار «ممنوع النشر»، فهذا يعني- بكل بساطة- أن هذه السلطة، ترتعد من مجرد كلمة أو صورة.. وأن لديها ما تخاف منه، وليس ما تخاف عليه!
«ممنوع النشر» شعار الأنظمة التي تبني جدارا سميكا، يَحُول دون تمليك المعلومات للناس.. وتمليك المعلومات هو حق جميع الناس، تماما مثل الحق في الحياة.. والمفارقة، أن هذه الأنظمة في محاولتها الاستمرار في تعلية هذا الجدار السميك، لكأنما هي تعيش في غير العصر الذي شهد تحطيم جدار برلين، ويعيش الآن في عصر السموات والأرضين المفتوحة على كل شيء، وعصر الإعلاميين الحفاة، الذين بإمكانهم نقل أي حدث، في أي شارع أو زقاق، إلى العالم كله، في التو واللحظة، عبر أي جهاز ذكي هو في حجم الكف!
الإعلاميون الحفاة، بأجهزتهم الصغيرة الذكية، يمدون الآن ألسنتهم في وجه الأنظمة، التي لاتزال تعيش على الظلم والظلام والإظلام، وينظرون إلى تلك الأجهزة الذكية السحرية، بكثير من الامتنان، وهي «تلقف» كل محاولات الإظلام.. وكل محاولات «برقعة» الحقائق!
الحقيقة، كانت منذ الأزل، عارية.. وستظل، ويظل طلابها في الإعلام بمسمياته المختلفة.. ويظل طلابها من الإعلاميين «المنتعلين» والحفاة.. وستظل قوافل شهداء الحقيقة، تخبّ السير والسرى، ولابد من النور، برغم كل محاولات الإطفاء والإظلام!
أكثر من ربع قرن، والإعلام في السودان تقول له السلطة: «امشي يمين، يمشي يمين، امشي يسار يمشي يسار.. كبر يكبر.. هلل يهلل.. ارمي لي قدام، يرمي لي قدام» حتى مَلّ الإعلاميون، واستشاط متلقو الرسالة حنقا، ووصل السودان إلى ما وصل إليه الآن، في ظل نظام لا يريد لإعلامه إلا أن يصبح مثل الزوج الخائب.. بل مثل الشيطان الأخرس!
إعطني إعلاما حرا، أعطيك نظاما طاهرا!.