وحدها المصادفة، كانت سبباً في تعرف (ع) على (أ) قبل بضعة أشهر، حيث إن أيامه الروتينية بحكم طبيعة عمله في سوبرماركت لا تمنحه فرصة للتعرف على أصحاب جدد خارج ميدان عمله في توصيل الطلبات إلى المنازل، فضلاً عن أن أوقات عمله تمتد إلى منتصف الليل.
ولولا تلك الإجازة العارضة التي تتكرر سنوياً لما كان قد تعرف على (أ) ونمط الحياة الجديد الذي بدأ يطلع على تفاصيله.
كان (ع) يقف مرتبكاً بانتظار سيارة أجرة تقله إلى مدينة مجاورة، وهي بالطبع من المرات النادرة التي يضطر إلى استخدام مركبة أجرة، إذ اعتاد أن يقضي مشاويره القريبة سيراً على الأقدام، لكنه هذا اليوم داهمته رغبة شديدة في تناول الكحول مع اثنين من أصدقائه بعد أن جمعوا المبلغ المناسب لحفلتهم تلك، ومنحوه تلك الثروة الصغيرة لإحضار كافة اللوازم والمتطلبات لساعات من المتعة التي تعرف عليها أخيراً بحكم علاقته بجارهم في السكن الذي يعيش فيه مع زملائه من عمال السوبرماركت.
البداية
كانت البداية حديثاً عابراً من سائق سيارة الأجرة (أ) تمثل في سؤال موجه إلى (ع) عن مبتغاه من المكان الذي يقصده، فهو بحكم خبرته يعرف المكان جيداً، ثم لاحظ (ع) أن السائق يتعمد الانبساط معه في الحديث بل إنه وللغرابة عرض عليه أن يصحبه إلى منزله حيث سيقيم له حفلاً باذخاً كما قال له.
استدراج
وشيئاً فشيئاً لم يستطع السائق كتم حقيقته، بل ذهب إلى مقصده مباشرة محاولاً إغراء الشاب بمعسول الكلام، ليكتشف (ع) أن السائق شخص ليس فيه من الرجولة سوى الاسم والمظهر الخارجي وحاول التملص منه متحججاً بموعد مع صاحبيه اللذين ينتظرانه، غير أنه لم يستطع الخلاص من إغراءاته إلا حين اتفق معه على موعد في وقت آخر يمضيان فيه سهرتهما بعد أن استسلم لحركات السائق وكلماته الناعمة.
فوجئ (ع) بوجود السائق بسيارته يحوم حول السوبرماركت قبل حلول الموعد بنصف ساعة، وارتبك وقضى الوقت محاولاً التظاهر باللامبالاة، لكنه ما أن صعد إلى جانبه في السيارة حتى انهال عليه مؤنباً لتهوره الذي ربما يفقده عمله إذا أدرك صاحب السوبرماكت طبيعة علاقته معه. بعد أن ولغ في مرتع الرذيلة وشرب من كأسها بصحبة «المفلس».
وأمام المحكمة قال (ع) بأنه لا يستطيع أن يفسر كيف تراخى أمام إغراءات وحركات السائق الذي اقتاده إلى ارتكاب الخطيئة معه، حيث وجد نفسه غارقاً في مستنقع من الوحل، غير أن إغراء المال الذي كان يحصل عليه كان كفيلاً بلجم كل تحفظاته.
امتدت الجلسات الثنائية لليال عدة، واستدعت انتباه زملاء (ع) في العمل، الذين لاحظوا أن صاحبهم لم يعد يقبل على دعواتهم، متعللاً لهم بمشاغله الكثيرة. وطول تلك الفترة عاش (ع) صراعاً شديداً في أعماقه، فهو يدرك أنه يعيش لذة محرمة شاذ فيها عن الطبيعة البشرية، فضلاً عن الشرائع والأديان والقيم الاخلاقية، وحاول أن يتملص من مواعيد مع السائق، الذي سرعان ما قمع هذه البوادر بإغداق المزيد من المال على صاحبه.
فرصة
وفي أحد الأيام قرر (ع) أن يستغل السائق في الحصول على مزيد من المال، واستأذن من صاحب السوبرماركت للانصراف قبل ساعتين من موعده للقاء قريبه المزعوم الذي ادعى أنه سيسافر غداً إلى البلاد.
وكان منذ الوهلة الأولى يفكر في الطريقة التي سيقنع فيها السائق بزيادة المبلغ المالي الذي يمنحه له، وما أن دارت الكؤوس وابتدأت الحفلة بتفاصيلها المكررة، حتى طرح (ع) مطلبه، وسرعان ما حاول الآخر تأجيل الأمر، لكن إصرار (ع) على رأيه، زاد التوتر وشحن الجو الذي تكهرب بينهما فادعى السائق أنه سيمنحه مبلغاً جيداً لكنه لا يملك الآن منه شيئاً، فباغته (ع) بالقيام وهو يتجه صوب صندوق خشبي صغير كان يعرفه جيداً، وقال له بأنه يمتلك الكثير من النقود بداخله.
حينها سارع السائق نحو(ع) ليدفعه بعيداً عن صندوق مدخراته، ليتطور الشجار إلى عراك عنيف، وهنا باغت (ع) صاحبه بالانقضاض على سكين حادة كانت على مقربة من يديه لينهال بها طعناً على سائق السيارة الذي سقط ميتاً مضرجاً بدمائه.
جريمة مركبة
فما كان منه إلا أن استولى على ما في الصندوق من أموال، ولاذ بالفرار إلى منزله، حيث تخلص من ثيابه عبر دفنها وسط أكوام القمامة.
وأثارت رائحة تعفن جثة السائق انتباه الجيران الذين أبلغوا الشرطة، وتم ضبط المتهم بعد أن أدلى أحد الجيران بأوصاف شاب كان يتردد على القتيل، ليعترف بارتكابه الجريمة، ليحال إلى المحكمة التي أمرت بتأجيل القضية إلى حين وصول أحد ورثة المجني عليه.
البيان نت