* (أحبك عجايب.. معاي ولا غايب
ما أنت مُفرَد عُصارة حبايب).
* وأمس تحدثنا عن شاعرية (مبدع مفرد) ولكنه كان (كشكول جمال) و(عصارة حبايب).. ووقفنا لقراءة نصوص الاختلاف في تجربته الشعرية؛ فأستاذنا الراحل المقيم سعد الدين إبراهيم كان أحد رموز جيل الاستنارة الذي قاد انقلاباً على السائد؛ وتمرد على التقليدي؛ ورفض المكرور، وقدم كتابه الإبداعي بفكرة كاملة التجديد والوعي وطاغية الحضور.
* كثيرة هي الإضافات التي أحدثها الراحل في مجالات الفنون والإعلام المختلفة، فالكثيرون يتحدثون عن أثره الصحافي والإصدارات التي ترأس تحريرها وما ظل يقدمه من جهد فكري كبير عبر زاويته اليومية (النشوف آخرتا) ومن قبلها (الصباح رباح) و(الآن) أو من خلال (سمع وشوف) عندما يكتب في الفنون بثقافته الثرة وذائقته العالية ومزاجه المبدع؛ وينسون أنه أسهم مع عدد من رفاق الحرف في وضع بصمة خالدة في الإعداد التلفزيوني أحدثت فتحاً كبيراً في برامج المنوعات ظهرت خلاصتها جلية في برنامج (من الخرطوم سلام) الذي كان يحظى بنسبة مشاهدة عالية لما فيه من جهد وتجديد عندما كانت شاشة التلفزيون القومي ملاذ الناس الأوحد ومتنفسهم المرئي الوحيد.!
* (باب السنط) لم يكن المسلسل الإذاعي الوحيد الذي كتبه الراحل وإن كان الأكثر شهرة ورسوخاً في ذاكرة المستمع، فهناك (المواطن سانتينو، الشرس والوردة، المدينة تحاصر عبد الله، المسألة ليست بهذه البساطة، الغزلان تتجمل أكثر، واسود من قش)، كما أن عشاق (هنا أم درمان) يتذكرون جيداً أحداث وإحداثيات سلسلة (حكاية من حلتنا) التي جسّدت تماماً فكرة العمل الإذاعي ونظرية فن الرؤية عبر الصوت؛ فكانت كل الشخوص والتفاصيل تمشى أمام المستمع الذي يرى تقاطيع صورها بخياله ويحبس أنفاسه مع حركاتها وسكناتها، ولا غرابة في ذلك فسعد الدين قادر على غزل خيوط الدهشة أينما حل؛ لذا فإن تحويله الأفكار المختمرة في العقول إلى سيناريوهات تضم شخوصاً من لحم ودم لم يكن أمراً صعباً على مبدع يوظف بذكاء فني كبير أدواته الإبداعية ليلعب بها في زوايا ضيقة ليمنحه الخيال واللغة مساحات تعبير شاسعة وميادين حركة فسيحة؛ ودونكم ما قدمه الرجل في سلسلة (الطريفي زول نصيحة)..!
* لم يقتصر إسهام سعد الدين في الدراما على الأعمال الإذاعية فقبل بضع سنوات كتب للممثل الدكتور فيصل أحمد سعد سلسلة (عصام إحباط) التي قدمتها قناة الشروق، كما أن واحدة من الإضافات التي أحدثها الراحل كانت سودنته لمسرحية (برلمان النساء) لأرسطو فانيس التي أخرجها للمسرح عماد الدين إبراهيم..!
* إن كان سعد الدين مبدعاً بقامة وطن افتقدته أمة بأكملها، فإنني على الصعيد الخاص افتقدت برحيل (أبو السعود) أستاذاً معلما؛ً وصديقاً حميماً؛ وقلباً كبيراً، وناصحاً صدوقاً، وداعماً مستمراً.. حاولت جاهداً في المقالين الهروب من فكرة الكتابة عن معرفتنا بسعد الإنسان وأبوته الحانية وقلبه الكبير وعلاقتنا التي استمرت معه لسنوات طوال كانت بدايتها الحقيقية عندما جمعتنا صحيفة (الحرية) قبل حوالي خمسة عشر عاماً فقد كنت وقتها مديراً لإدارة الفنون والمنوعات وسعد الدين (صديقنا الكبير) قبل أن يكون (رئيساً للتحرير).. كثيرة هي القصص التي تستحق أن تروى والحكاوي التي تجسد روعة الرجل، ولكني فضلت الوقوف عند غيض من فيض إبداعه الكتابي متجنباً الحروف التي قد تبدو أقرب للرثاء فيكفي ما ذرفه هلاوي والتيجاني حاج موسى ومختار دفع الله من دموع جعلتهم في نوبة مستمرة من البكاء.. حاولت تجنب الحديث عن الخاص بقدر الإمكان ولكن الدمعة التي سقطت الآن من عيني لتبلل الشاشة وجدت لها ألف عذر، فها هي عيني تقع على نظارة الراحل التي نسيها في مكتبي قبل فترة؛ وعندما هاتفته لأذكره بها قال إنه سيأتي ليأخذها (على مهل) خاصة وأن بيننا فصول دردشة لم تكتمل في أكثر من موضوع، ولكنها يد المنون التي ما امتدت إلا وكانت أسرع.. فدعوني الآن أنصرف عن الكتابة لأغرق في أحزاني، فها هي (نظارة أبو السعود) لا تزال متمددة أمامي..!
* نبكي (أبو السعود) ونردد ما قاله خطيب العرب شبيب بن شيبة وهو يعزي أمير المؤمنين في فقد عزيز لديه بقوله: (جنة الله خير له منا، وثواب الله خير لنا منه، وخير ما صُبِر عليه ما لا سبيل إلى رده).
نفس أخير
* بحبك تصور بكل الحواس.. بصورتك بقدرك أقول لا مساس.. لأنك كأنك براك انت ناس.