٭ جاء رجل ريفي الى المدينة وهو يحمل البساطة على راحتيه.. والدهشة تبدو واضحة لضجيج المدينة المتصاعد.. عمد الى زير «مرشوش» ومغطى بقطعة خشبية يجلس عليها «كوز» صغير منهوك القوى من كثرة مشوار المد والجزر داخل الزير.. وبسرعة عبأ جوفه المحروق بكمية معتبرة من المياه حتى ارتوى.. ثم عدل طاقيته وهم بالرحيل لولا ان استوقفه صبي صغير مطالباً اياه بدفع قيمة المياه.. وهنا اطلق الرجل الريفي قولته «خرطوم السجم دي.. الموية فيها ببيعوها.. على الطلاق.. نحن الاكل ما قاعدين نبيعو»..
.. قصدت من ذلك ان اقول «الموية» في السودان كانت الى وقت قريب هي الحاجة الوحيدة المتاحة في السودان .. لميزة ان الطبيعة محاصراها بالنبع العذب من كل اتجاه.. نيل طويل عريض.. يمشي واثق الخطوة نحو الجروف والسهوب ليزرع الاخضرار والامنيات..
٭ «الموية» هي الهبة الربانية التي منحها لنا المولى عز وجل .. ولكن هيئة المياه في السودان بعد ان علمت ان السودانيين حازوا على «اوسكار» التميز في الصبر والصمود.. ارادت ان «تختبرهم» اكثر فعمدت الى رفع فاتورة المياه من خمسة عشر جنيها الى اثنين وثلاثون جنيهاً في الشهر… يا ناس الحكومة الفضل شنو تاني ما زاد وارتفع… قلنا جشع التجار في سوق الله اكبر.. لكن هذه المرة (فاتورة المياه) من حكومتنا الموقرة حيرتونا معاكم…عووووك يا…… الحاصل شنو كدي عبرونا أقصد (نورونا)..
ولست أدري ما هو السبب في الزيادة هل تغيرت المياه أم جف النبع.. أم هي رسوم والسلام..
ان هذا الشعب المسكين يمكنه ان يترك شراب المياه الغازية والعصائر الطازجة ان تعالت اسعارها.. ولكنه لا يستطيع ان يترك الماء لأن فيها حياته وقدره..
٭ كان يجب في هذا السودان الغارق في المياه من كل صوب.. ان تقدم اليه المياه بالمجان.. وفاء لصبره وصموده وهو يتجاسر على كل الظروف القاسية.. زيادة تعريفة المياه الشهرية ستلقي بعبء ثقيل على فاتورة الكهرباء.. الأمر الذي يجعل المواطن يعاني كثيراً في سبيل ان يشرب «موية» فقط ويطرد الظلام.. أما باقى الحاجيات الأخرى فلعمري انها تحتاج لقراءة الباقيات الصالحات وسورة الواقعة..
٭ الزيادة ربما لا تساوي شيئاً لادارة المياه والكهرباء التابعة لوحدة السدود.. وايا كانت المسميات فهذه ترتبط بمعايير الحد الادني من الخدمات .. والمواطن «الموجوع» لا يحتمل وجوده بدون مياه ولا يحتمل ايضاً الرسوم العالية.. واذا وصل الامر الى هذا الحد الكارثي فعلى الدنيا السلام.
٭ ذهبت لشراء كهرباء.. ودفعت بكل اوراقي النقدية.. واندهشت كثيرا عندما وجدت العداد يكتب حفنة بسيطة من الكيلواط ورجعت الى «كشك» الكهرباء اتساءل عن المهدر والفقد الجلل من الارقام.. فاخبرني بأن فاتورة المياه زادت.. بالاضافة إلى رسوم العداد..
سؤال اضعه هنا لادارة هيئة المياه.. او ادارة الكهرباء والمياه.. أو حتى ناس السدود ما الذي حدث حتى يجعل هذه الشركات تتكالب على المواطن لتمتص رحيق قوته ورزقه لماذا هذه الزيادة العالية.. هل هنالك نية مبيتة «لتعطيش» الشعب وامتصاص عصارة السوائل الموجودة داخل جسمه.