لا تملك “سودانير” التي كانت ملء الأسماع والأبصار إلى وقت قريب الآن طائرة تخصها، ولن يتحقق ذلك أيضاً، ما لم يتم تغير طريقة إدارة شركة الخطوط الجوية السودانية. وبحسب وزير النقل فإن سودانير نموذج للفشل وأن أصرار القائمين عليها بسلوك ذات الطريق لن يؤدي لنتيجة مغايرة، وهو ما يدفع بالوزير لاستخدام العبارة “ديل ما بمشوا لقدام”. ولا يعدم الرجل طريقة للنهوض بها مرة أخرى حين لوح بضرورة إعادة النظر في كيفية إدارتها، وفتح الباب على مصراعيه أمام الاستثمارات والشركات، من أجل التحليق بالطائرات السودانية في سماوات العالم كما كان يحدث سابقاً. وثمة من يعزو أسباب التدهور والتراجع الذي أصابها إلى ما أسماه حالة التخلص منها دون وضع الحسابات المنطقية لما يجعلها تنهض، بينما يرد كثيرون الفشل إلى السياسات الحكومية. ولا يتجاوز أصحاب هذا التيار ما حدث من مجموعة (عارف) الكويتية في وقت سابق.. يشير رئيس تحرير صحيفة التيار عثمان ميرغني، وهو أحد العارفين بخبايا الملف، إلى أن السبب في كل ما حاق بسودانير يعود في الأصل لغياب حالة (الشفافية) في إدارة شأنها. ميرغني يتناول في حديثه ما حدث في خط (هيثرو) مطالباً بتجاوز أمره والنقاش حول ملابسات بيع سودانير للشريك عارف، فالتخلص من الخط كان نتيجة للتخلص من الشركة كلها، وكل ما فعلته عارف أنها باعت خطاً كانت قد اشترته مسبقاً، بينما يقول الوزير في السياق إن ما حدث في هيثرو يسأل عنه وزير العدل، لا وزير النقل.
ويرجع ميرغني أسباب فشل شراكة سودانير مع عارف الكويتية إلى مترتبات الحصار الاقتصادي الذي قال إنه حرم الشركة من ترخيص أربع طائرات أيرباص كان من الممكن أن تقودها للتحليق عالياً وأن تحلحل كل مشكلاتها. يعد الوزير بنهضة قريبة في الناقل الوطني تعيده سيرته الأولى وتحلق به عالياً. الأمر هنا يتوقف على وجود شريك جديد يرى ميرغني من الأفضل أن يكون شريكاً دولياً حتى يمكّن الشركة من تجاوز مطبات الحصار الدولي وهو ما يجعل البعض يتساءل هل سيتم بيعها مرة أخرى وهو سؤال يحمل معه سؤالاً آخر؛ إلى متى سيكون الحصار؟
وحكايات المطار لا تنتهي؛ تشتعل الأسافير صباح أمس بقولها بأن المظلات في المطار قد تعرضت لعملية سرقة قبل أن يتأكد من أن ما حدث لم تكن عملية سرقة وإنما هي عملية إزالة غرضها الأساسي المضي في المشروع التطويري في مطار السودان الدولي.
والطائرات العاجزة عن التحليق في الجو تقابلها في البحر سفن عاجزة عن أن تمخر عباباً, وما حدث في الخطوط الجوية السودانية يمضي لأن يتكرر في الخطوط البحرية. على أثير الإذاعة القومية من أم درمان، يعلنها مكاوي داوية أنه أوان (التصفية). ينعي الوزير للشعب خطوطه البحرية قائلاً بأنها ماتت وشبعت موتاً “هذه الشركة تعثرت وماتت ولا تملك ولا باخرة واحدة”. الوزير يعلن تصفية الخطوط البحرية وقال إنه حتى الباخرة المستأجرة (مودة) قديمة ومتعثرة.
في عرض البحر انطفأت قناديل الباخرة دهب، آخر ما تبقى من أسطول الخطوط البحرية السودانية. انطفاء القناديل كان بسبب عدم توفير وقود يجعلها مضيئة بعد أن رفضت الجهات المسؤولة توفيره، وهو الأمر الذي يعني بالضبط بدء إشعال قناديل التخلص تماماً مع مشروع التصفية وإحلال شركة جديدة مكان القديمة، ويعني في مكان آخر أن الخطوط البحرية (غرقت) ويجب انتشالها. عملية الإنقاذ الجديدة ستتم عبر (الصين).. وزير النقل الذي كان هناك يبث بشراه للسودانيين بوصول تسع بواخر من أجل إنقاذ الشركة ومن أجل تنفيذ استراتيجيتها الجديدة؛ بعضها لنقل البشر وأخرى لنقل البضائع والغاز. إذن مشروع الإنقاذ يأتي من الصين وهو الأمر الذي يفتح باب التساؤلات على مصراعيه حول هل ما حدث للأجنحة سيتكرر في البحر أم أن فلسفة الوزير الجديد من شأنها أن تعيد الحياة السودانية لسواحل البلاد وتعود أعلامها ترفرف فوق بواخرها دون أن تنطفئ قناديلها؟
قبل أن يبدأ مسلسل التصفية بدأت حلقات مسلسل آخر يتعلق هذه المرة بحقوق العاملين حيث أبدت فرعية نقابة البحرية ببورتسودان مخاوفها من ضياع حقوق منسوبيها حيث بدأت التصفية دون أن يتم تحديد الشركة الجديدة التي ستؤول إليها أصول الخطوط البحرية وأن تراجعاً تم عن اتفاق سابق؛ وهو أن ينالوا حقوقهم قبل بدء عملية التصفية. النقابة المحتجة لم تجد شيئاً تتمسك به غير الباخرة دهب باعتبارها آخر ما تبقى من الأرث الكبير، ورفضت أن يتم بيعها ولم ينس منسوبوها أن يعلنوا وقوفهم “ضد كل من تسول له نفسه العبث باستحقاقات العاملين”، وأنها “ستغلق المجال أمام كل طفيلي طامع في مقدرات وأموال الشعب”، وأنها ستكون لها مواقفها حينها.
الخرطوم – الزين عثمان
صحيفة اليوم التالي