هل كانت بدائل “سايكس بيكو” كفيلة بإنقاذ الشرق الأوسط؟.. تفاصيل غائبة رغم مرور 100 عام

ربما إذا جمعنا تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش)، والإعلامي الأميركي الساخر جون ستيوارت، ورئيس إقليم كردستان العراق مسعود بارزاني، فلن يكون هناك الكثير ليتفق عليه ثلاثتهم، إلا شيئاً واحداً: العواقب الوخيمة لاتفاقية سايكس-بيكو، تلك الاتفاقية السرية لتقسيم الشرق الأوسط، والتي وضعتها كل من فرنسا وبريطانيا منذ 100 عام.

وأصبح من الحكمة السائدة أن مشاكل الشرق الأوسط جاءت نتيجة الحدود المصطنعة التي شكلت دولاً تضم مجموعات عرقية ودينية وثقافية مختلفة للغاية، وهو ما طرحه مؤخراً جوزيف بايدن، نائب الرئيس الأميركي.

بكل تأكيد، كان للاستعمار الغربي آثار خبيثة على الشرق الأوسط تاريخياً، ولكن السؤال الذي طرحه تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأميركية هو: هل اتفاقية سايكس-بيكو بالفعل هي مصدر العلل وبالتالي تستحق كل هذا الهجوم؟

الحدود القائمة اليوم بين الدول –التي يزعم تنظيم “الدولة الإسلامية” أنه يقوم بإزالتها- تكونت بالأساس في عام 1920، ثم عُدِّلت فيما بعد على مدار العقود اللاحقة، كما أنها ليست خلاصة مخطط واحد، بل سلسلة من الخطط الانتهازية التي نتجت عن التنافس بين باريس ولندن، وكذلك بعض القادة المحليين في المنطقة.

وأمام هذه المخططات (التي لم تكن تتضمن الإبقاء على الدولة العثمانية) ونتيجة لما سببته من مشكلات، لم تكن الأفكار البديلة التي اقترحت تقسيم المنطقة أفضل بكثير من الوضع القائم، كما أن تكوين دول من مناطق متنوعة هي عملية يتخللها العنف وولها صعوباتها.

ظهور خطة سايكس-بيكو

في مايو/آيار 1916، قام مارك سايكس (الدبلوماسي البريطاني)، وفرانسوا جورج بيكو (نظيره الفرنسي)، بالتخطيط لاتفاقية يمكن من خلالها التأكد من أنه مع هزيمة الإمبراطورية العثمانية في الحرب العالمية الأولى، تحصل كل من فرنسا وبريطانيا على ما تعتبرانه حصة عادلة من الغنائم.

منحت كلتا الدولتين لنفسيهما حق السيطرة المباشرة على مناطق بعينها بحسب المطامع الاستراتيجية والاقتصادية لكل منهما.

كان لفرنسا روابط تجارية متعددة في منطقة الشام، كما أنها قامت برعاية المسيحيين في المنطقة لفترات طويلة، بينما كانت بريطانيا ترغب في تأمين طرق للتجارة والاتصال بالهند من خلال السيطرة على قناة السويس والخليج العربي.

حاولت خطة سايكس-بيكو الترويج لفكرتها المستقبلية بمنح العرب وعداً مبهماً بخلق منطقة عربية واحدة ربما تكون مقسمة لعدة دول، إلا أنها في النهاية تكون خاضعة للنفوذين
الفرنسي والبريطاني بالتأكيد.

 

هل خريطة فيصل الأول كانت ستحل المشكلة؟

في مارس/آذار عام 1920، أصبح الملك فيصل الأول –الذي قاد الجيوش العربية في ثورتها المدعومة من بريطانيا ضد الإمبراطورية العثمانية أثناء الحرب العالمية الأولى- ملكاً على سوريا، حيث حكمها من دمشق. كانت الحدود الطموحة التي يرغب فيها فيصل تمتد بين ما يعرف اليوم بسوريا والأردن وإسرائيل وأجزاء من تركيا (دون العراق).

السؤال هنا، هل كانت خريطة فيصل بديلاً حقيقياً للحدود التي فُرِضت من الخارج في نهاية المطاف؟ حسناً، لن نعرف الإجابة أبداً، حيث إن الفرنسيين الذين عارضوا خطته تمكنوا من هزيمة جيشه في يوليو/تموز 1920 في معركة ميسلون.

ولكن حتى لو لم يهزمه الفرنسيون، كان التقسيم الذي يرغب فيه فيصل -بحسب نيويورك تايمز- سيضعه في صراعٍ مباشر مع المسيحيين المارونيين الذين كانوا يضغطون لاستقلال ما يعرف حالياً بلبنان، بالإضافة إلى المستوطنين اليهود الذين كانوا قد بدأوا المشروع الصهيوني في فلسطين، وكذلك القوميون الأتراك الذين كانوا يسعون لتوحيد الأناضول.

فرنسا أرادت تقسيم سوريا.. فماذا جرى حينذاك؟

عندما تولت فرنسا السيطرة على سوريا، كانت خطة باريس تقضي بتقسيم المنطقة إلى دويلات أصغر تحت الحكم الفرنسي، حيث كان ذاك التقسيم سيتم على أسس عرقية وإقليمية وطائفية، بحيث يأسس الفرنسيون دولة للعلويين، وأخرى للدروز، وثالثة للأتراك، بالإضافة إلى دولتين مركزيتين حول المدينتين السوريتين الأكبر: دمشق وحلب.

كانت الفكرة التي تستخدمها فرنسا في هذا التقسيم هي سياسة “فرِّق تسدْ”، حيث جاءت استباقاً لدعوات عدد من القوميين العرب لتكوين دولة سورية موحدة.

واليوم، وبعد خمس سنوات من الحرب الأهلية في سوريا، ظهر الكثير من المقترحات لتقسيم مماثل كبديل أكثر واقعية للدولة التي تبدو مصطنعة في الوقت الحالي، ولكن منذ مائة عام، عندما حاولت فرنسا إجراء هذا التقسيم، قاوم سكان المنطقة الأمر بشدة، مستوحين أفكار الوحدة السورية، ومدفوعين من قبل عدد من القادة الوطنيين، ما أجبر فرنسا على التنازل عن خطتها.


هل أنقذ الأميركيون الموقف؟

عام 1919، أرسل الرئيس الأميركي وودرو ويلون وفداً لإيجاد أفضل طريقة لتقسيم المنطقة، وضم الوفد اللاهوتي هنري كينغ، ورجل الصناعة تشارلز كرين، اللذين قاما بإجراء مئات المقابلات تمهيداً لإعداد خريطة مثالية لتقرير المصير.

السؤال الجديد الآن: هل كانت هذه فرصة ضائعة لوضع حدود حقيقية ومناسبة في المنطقة؟ الإجابة هي أن هذا الاحتمال مشكوك فيه أيضاً. حيث بعد دراسات دقيقة، أدرك كينغ وكرين مدى صعوبة المهمة، وكان هناك خلاف حول أن تكون لبنان دولة مستقلة، أم أن تكون تابعة لسوريا، مع احتمال قيام حكم ذاتي، كما ظنوا أنه من الأفضل أن يتم دمج الأكراد داخل العراق أو حتى تركيا، كما كانوا واثقين أنه يجب أن يعيش السنة والشيعة معاً في عراق موحد. في نهاية المطاف، تجاهلت فرنسا وبريطانيا التوصيات التي قدمها الموفدان، وربما لو استمع الفرنسيون لهما، لما اختلف الحال كثيراً عن الوضع الحالي.

huffpostarabi

Exit mobile version