أشرت بالأمس إلى دعوتنا من مجلس رجال الأعمال السوداني الإثيوبي لحضور منتدى اقتصادي يناقش العلاقات المشتركة والدور الذي يمكن أن يسهم به المجلس.. وقبل الحديث عما ذهبنا إليه أصلا فقد أدهشني انشغال البعض بسفر الوفد بطائرة خاصة أكثر من موضوع السفر نفسه.. رغم أن الموضوع هذا.. وهو تطوير التعاون الاقتصادي وتفعيل التبادل التجاري بين السودان وإثيوبيا.. يمكن أن يكون مردوده ما يوازي قيمة ألف طائرة فاخرة.. لا مجرد استئجار طائرة واحدة.. لرحلة واحدة.. ولكن ماذا تقول في قصار النظر.. هواة التحديق في النصف الفارغ من الكوب..! ولعلها فرصة لنسلط بعض الضوء على مجلس رجال الأعمال المشترك هذا.. والذي يرأسه رجل أعمال سوداني هو السيد وجدي ميرغني محجوب.. والذي لا يخفي.. ولا يمل عن ترديد أهمية أن نستفيد من التجربة الإثيوبية في كل المجالات.. خاصة في مجال الأولويات الاقتصادية ووضوح الرؤية فيها.. مع تحديد الأهداف.. بالتركيز على الاعتماد على الذات.. بدءا من توظيف الموارد والاهتمام بالقطاعات الإنتاجية الحقيقية مثل الزراعة والإنتاج الحيواني.. وقبل كل هذا التوافق على وثيقة وطنية تحسم كل أوجه الصراع السياسي الذي يعطل قطار التنمية.. ولعل ملاحظات السيد وجدي تستمد قيمة إضافية نوعية.. لأنه ليس من أولئك الذين يجلسون على الرصيف ويمارسون التنظير.. ولا هو من شاكلة رجال الأعمال الذين يختارون الاستثمارات الهامشية سريعة العائد.. بل إن الرجل قد غاص بأرجله عميقا في طين القضارف مطبقا نظريته على الأرض.. أن الزراعة هي مخرج السودان ولحمة وسداة اقتصاده الوطني.. ثم طوف على استثمارات متنوعة.. القاسم المشترك فيها أنها مجهدة.. مكلفة.. ولكنها منتجة.. وليس المجال للخوض فيها هنا..! أما المجلس الذي يقوده فمهمته تتمدد لتغطي على سبيل المثال لا الحصر.. تحديد الصعوبات التي تواجه التبادل التجاري بين البلدين واقتراح الحلول لتجاوزها.. مراجعة الاتفاقيات القائمة بين البلدين ومتابعة تنفيذها.. تفعيل الاتفاقيات وتشجيع الشراكات بين رجال الأعمال في البلدين.. النظر في والعمل على إنشاء منطقة حرة بين البلدين بما يساعد على إنسياب السلع والبضائع.. وسهولة تبادلها بما يخدم مواطني البلدين..! وأخيرا فقد كانت رفقة المجلس ورئيسه فرصة طيبة لمتابعة ورقة علمية باذخة المعلومات.. حول فرص التعاون الاقتصادي بين البلدين.. قدمها السيد وجدي محجوب.. الورقة التي بدأت بفذلكة تاريخية للعلاقات السودانية الإثيوبية وما يميزها.. بدءا من الحدود المشتركة.. والمياه المشتركة وحتى الثقافة ثم التبادل التجاري منذ القدم.. وصولا لمرحلة الطرق المسفلتة.. ثم تبلور الدور الحكومي والمتمثل في إبرام اتفاقيتين أولاهما إطارية للتعاون بين البلدين وأخرى للتبادل التجاري.. تساعد على الانطلاق والتبادل السلعي مع إشارة ذكية من الورقة لتشابه اقتصادي البلدين في كثير من مظهريهما.. تحمل الورقة إشارة مهمة لتأكيد فرص التعاون فتورد أن التبادل التجاري قد قفز من مليوني دولار فقط في العام 2002 إلى مئة وأربعة وثمانين مليون دولار في العام 2014.. مما يؤكد أن فرص التعاون ضخمة ومتاحة..! وتستعرض الورقة إمكانات السودان المتمثلة في القطن والحبوب الزيتية والجلود والحديد على سبيل المثال.. وتورد الورقة مقارنة مهمة بين تكلفة الطن المنقول من أي نقطة في إثيوبيا إلى ميناء بورتسودان.. مع تكلفة الطن المنقول من أي نقطة في إثيوبيا إلى ميناء جيبوتي فتأتي النتيجة في المتوسط لصالح ميناء بورتسودان.. 23 دولارا فقط للطن مقابل 57 دولارا لجيبوتي..! وتستعرض الورقة أيضا مزايا الجانب الإثيوبي الذي يتوفر على مصادر المياه.. وتقرأ مصادر الطاقة.. ثم البقوليات والنسيج والذرة الشامية والحيوانات البرية.. والسياحة.. ولا تنسي الورقة أن تفرد مساحة مقدرة للتعاون في مجال العمل المصرفي مع جملة مقترحات يسهم الأخذ بها في دعم الأنشطة الاقتصادية كافة.. ونعيد ونختتم أيضا.. بأن إثيوبيا قد انطلقت فلا أقل من أن نلحق بها..!