ضحكت ملء شدقي للإذلال والإهانة التي تلقاها عرمان من بعض القيادات الجنوبية حين تحدث أمامهم عن أن قطاع الشمال سيواصل القتال ضد الجيش السوداني (من أجل تحقيق حلم السودان الجديد وإعادة الوحدة مع الجنوب)، فما كان من أحد المسؤولين الجنوبيين إلا أن انبرى لعرمان محذراً إياه من التحدث باسم الجنوب أو الوحدة بين السودان ودولة جنوب السودان، وقال له (نحن من يحدد مصير الوحدة من عدمها)، وسخر المسؤول الجنوبي من عرمان حين وعد خلال تنوير قدمه لبعض القيادات الجنوبية في أحد فنادق أديس أبابا حول الوضع العسكري لقوات قطاع الشمال بإسقاط النظام في السودان .. سخر منه واتهمه بالعجز عن تحقيق أحلامه وتخريفاته.
وهكذا يظل عرمان محل ازدراء واحتقار القيادات الجنوبية التي ظل يخدمها على حساب أهله الذين ما أنفك يكيد لهم طوال عمره المترع بالدماء والخيانة والعمالة منذ أن التحق بقرنق في منتصف ثمانينات القرن الماضي شاناً الحرب على وطنه وشعبه ومواصلاً حربه على بلاده حتى بعد انفصال الجنوب.
هل تذكرون كيف قطع أحد الجنود الجنوبيين أذن عرمان عضّاً مما اقتضى أن تُجرى له عملية جراحية تجميلية لم تعد تلك الأذن إلى طبيعتها حتى الآن؟ ارجعوا إلى كتاب الأستاذ ضياء الدين بلال (شماليون في الحركة الشعبية)، والذي وثق لتلك الواقعة التي حدثت إبان اشتعال تمرد قرنق الذي استغرق اثنتين وعشرين عاماً أهلك خلالها الحرث والنسل وفعل ببلادنا وشعبنا الأفاعيل.
وهكذا ظل الرويبضة طوال عمره أو قل منذ شبابه الباكر والغاً في دماء شعبه سعيداً بالخراب والدمار الذي شارك في صنعه وإدامته ولن يفوتني ذكر فراره من السودان والتحاقه بقرنق بُعيد ذلك الحادث الأليم الذي أدى الى استشهاد كل من الأقرع وبلل وكان عرمان متورطًا فيه حيث كان مشاركاً في ركن نقاش بجامعة القاهرة فرع الخرطوم متحدثاً بالنيابة عن الحزب الشيوعي (الجبهة الديمقراطية) الذي انتمى إليه منذ الصبا.
كتبت بعد أحداث الإثنين الأسود التي كانت عبارة عن حرب شوارع عرقية شنها الجنوبيون على الشماليين عقب مصرع قرنق في الخرطوم بعد أن توهموا أن قرنق قد قتل بمؤامرة شمالية رغم أن الرجل صرع في حادث الطائرة اليوغندية التي سقطت في جنوب السودان بعيدًا عن الشمال.. كتبت يومها أنه لو كان الجنوبيون الثائرون في ذلك اليوم المنحوس قد وجدوا عرمان (الشمالي) في الشارع لفتكوا به أو لربما أعادوا ما فعلوه به حين قطعوا أذنه، فهو في نظرهم لا يعدو أن يكون شمالياً جلابياً بغيضاً بغض النظر عن مشاعره نحوهم أو موقفه المساند لهم والمعادي لأهله وبلاده!
أعود للإهانة التي تلقاها عرمان وهو يحشر أنفه في الشأن الجنوبي ويتدخل فيما لا يعنيه ويتحدث في حضور بعض القيادات الجنوبية عن عودة الوحدة بين السودان ودولة الجنوب، وأقول إن الرجل لا يريد البتة أن (يقنع) من مشروع السودان الجديد رغم الطعنات النجلاء والمتكررة التي تلقاها منذ مصرع قرنق، فعندما سُئل باقان أموم كبير أولاد قرنق عن المشروع عقب استفتاء تقرير المصير الذي تمخّض عن الانفصال أجاب لصحيفة الشرق الأوسط اللندنية إن مشروع السودان الجديد قائم سواء عن طريق الوحدة أو الانفصال مضيفاً إنهم سينتقلون عقب الانفصال من الخطة (أ) إلى الخطة (ب)، ولذلك ظل الجيش الشعبي متشبثاً بالبقاء في منطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، وظل عرمان والحلو وعقار، بدون أدنى حياء، قادة عسكريين (commanders) محتفظين برتب عسكرية في الجيش الشعبي وجزءاً من الحركة الشعبية لتحرير السودان الحاكمة في جنوب السودان محتفظين باسمها بل منحوا حركتهم بكل قوة عين وقلة حياء اسم (قطاع) الشمال بما يعني أنهم جزء أو قطعة من ذلك الكل الحاكم في دولتهم الأم (جنوب السودان)، بالرغم من أنها تحتضر على سرير الموت.
ذلك ما ظللنا نذكّر به قبيلة النعام التي ظلت تتفاوض باسم السودان بعد الانفصال متجاهلة تلك الحقائق الدامغة ومتناسية أهمية قطع دابر تلك العلاقة القبيحة بين القطاع العميل والحزب الحاكم في جنوب السودان بأن يشترط على حكومة الجنوب قبل أن توقف دعمها العسكري لعملائها في الشمال أن تنهي علاقتها مع القطاع العميل من خلال حمل أتباعها على تغيير اسم حركتهم، بل ينبغي للحكومة السودانية أن تشترط على عرمان ورفاقه تغيير اسم حركتهم قبل التفاوض معهم إذ لا يجوز أن تتعامل مع أناس يقرّون بتبعيّتهم لدولة أخرى.
كما ظللنا نشن الحرب على اتفاقية نيفاشا التي كانت من أكبر آليات إنفاذ مشروع السودان الجديد قبل الانفصال شننّا ذات الحرب على نيفاشا 2 (اتفاقية نافع عقار) التي أوشك أولاد نيفاشا بالتعاون مع أصدقائهم من أولاد قرنق على إنفاذها لتكون شوكة حوت في خاصرة السودان بعد الانفصال ورافعة لمشروع السودان الجديد
وظل الرويبضة على الدوام (يبعبص) ويتآمر مكوناً الجبهة الثورية، ومعلناً ميثاق الفجر الجديد من كمبالا لإعادة هيكلة السودان بالتحالف مع بعض القوى الشمالية اليسارية أو الغافلة ولم ولن يتحرك عرمان أو يتحالف في أي يوم من الأيام مع أحد إلا ومشروع السودان الجديد نصب عينيه وما سعيه الحالي من خلال (نداء السودان) مع السيد الصادق المهدي أو مع قوى الإجماع الوطني (أبوعيسى) إلا من أجل تحقيق ذلك الهدف.