وجهت الحركة الإسلامية بعد مجيئها عبر انقلاب الإنقاذ نداءً لكوادرها في المهجر خاصة دول الخليج واليمن بالعودة الفورية بقرار تنظيمي لتوطيد دعائم حكمها فيما عرف اصطلاحا بسياسة التمكين التي اتبعتها الإنقاذ وأفرغت لهم المناصب من غير الموالين واستجاب عدد كبير من هذه الكوادر بالعودة خاصة من ذوي الاختصاصات في مجال الطب والاقتصاد والهندسة وغيرها من التخصصات وانخرطوا في العمل ليس في تخصصاتهم فحسب بل تولوا مناصب رفيعة في إدارة الدولة والحزب على المستويين الاتحادي والولائي واستمر هذا الوضع حتى جاءت المفاصلة في أواخر عام (99) التي جعلت الإسلاميين في تيارين، ما اضطر العديد من الكوادر التي فضلت الانحياز لجانب زعيم الحركة الإسلامية الراحل دكتور الترابي العودة لمهجرها الذي جاءت منه، في المقابل استمر عدد من الكوادر التي فضلت الانحياز لجانب الرئيس في تقلد المناصب في الحزب.
هجرة كوادر
اللافت خلال موجة الهجرة الهائلة للكفاءات العلمية والخبرات السودانية إلى الخارج التي انتظمت البلاد والتي تتصدرها مهن الطب والتعليم والهندسة، أنها تأتي بسبب الأوضاع الداخلية والسياسات الاجتماعية والاقتصادية الطاردة التي افرزت واقعا عانى منه الشباب، لا سيما ارتفاع معدلات البطالة، غير أن اللافت جدا لدرجة الغرابة أن موجة الهجرة هذه لم تستثن شريحة من المجتمع إذ جرفت معها كوادر وقيادات في المؤتمر الوطني الحزب الحاكم تقدموا باستقالاتهم من مناصبهم في الدولة والحزب، مفضلين الهجرة في خطوة وصفت بالخطيرة ومثيرة للاهتمام والتساؤلات على شاكلة هل الدولة السودانية أصبحت طاردة حتى لكوادرها الذين استجابوا لدعوتها في فترة سابقة بتأمين العيش الكريم لهم والاستفادة من قدراتهم ما جعل العودة الهجرة العكسية إلى الخارج ضرورة؟.
هجرة العشرات
أبرز المهاجرين من المسؤولين وزير الأوقاف السابق أزهري التيجاني الذي هاجر لدولة الإمارات محاضراً بجامعة أبوظبي، بجانب خلفه في الوزارة دكتور الفاتح تاج السر الذي تقدم هو الآخر باستقالته بصورة مفاجئة وعاد للعمل في جامعة المدينة المنورة، وقبلهم مولانا محمد أحمد سالم الذي تقلد في فترة سابقة منصب رئاسة مجلس الأحزاب ثم مستشارا بديوان الحكم الاتحادي قبل أن يهاجر إلى دولة الكويت للعمل مستشارا قانونيا لمجلس الأمة الكويتي، إضافة لبروفيسور هشام محمد عباس الذي تقدم باستقالته لرئاسة الجمهورية بعد ثلاثة أشهر من تعيينه في منصب الأمين العام لمجلس الصحافة والمطبوعات وقرر الهجرة إلى السعودية، وتبعه معتمد الحصاحيصا د. أبوبكر عبد الرازق وقيع الله الذي استقال من منصبه وسلم عهدته للمدير التنفيذي للمحلية وأبلغ الوالي محمد طاهر ايلا، بقراره وهو في مطار الخرطوم قبل استقلاله لطائرة خطوط المملكة العربية السعودية ليعمل أستاذاً بجامعة طيبة بالمدينة المنورة، ولم يكن هؤلاء آخر المهاجرين لأسباب يجهلها الجميع خاصة وأنهم يتولون مناصب متقدمة في الدولة بما يجعل تكهنات البعض أن هذه الهجرة لأجل تحسين أوضاعهم المعيشية غير مقبولة، إذ غادر يوم الجمعة الماضي مهاجرا إلى المملكة العربية السعودية د. عمار حامد سليمان، الذي تقلد عدة مناصب حكومية حيث شغل منصب المعتمد لمحليتي كرري وشرق النيل، ثم منصب وزير الصحة ونائب لوالي النيل الأزرق الذي استقال منه ليشرع في إجراءات الهجرة للعودة للعمل في مشافي المملكة العربية السعودية، التي قدم منها في وقت سابق لتلبية للدعوة التي وجهها التنظيم لكوادره.
أسبابا موضوعية
لكن ما هي أسباب الهجرة الحقيقية لهؤلاء؟ على هذا السؤال يجيب القيادي بالمؤتمر الوطني وعضو المجلس الوطني، محمد الحسن الأمين، بقوله إن هجرة هذه الكوادر ليست لها علاقة بالواقع في الدولة حتى يقال إنه أصبح طاردا حتى للذين يتولون مناصب وزارية أو تنفيذية بقدر ماهي هجرة لأسباب اقتصادية بحتة تتعلق بالظروف الاقتصادية الخاصة بهؤلاء المهاجرين، وهم أشخاص أمينين ومخلصين في عملهم وليست لهم أعمال أخرى تشكل لهم مصدر دخل لمقابلة متطلبات أسرهم، مقابل الفرص المتاحة خارج السودان فيها دخل عالٍ للفرد ولأسرته وهنا تصبح الهجرة لدوافع شخصية خاصة للذين لهم أسر ممتدة وليست أسر صغيرة، ويضيف الحسن أن الدخل من الوظيفة في السودان حتى أن كان متقاضيه وزيرا مركزيا مقارنة بالأوضاع خارجه هناك فارق كبير بينهما.
سعيا للأفضل
الأمين يرفض في حديثه لـ(الصيحة) ربط هجرة هؤلاء لتحسين أوضاعهم المعيشية بانهيار الاقتصاد السوداني، مصرا على عدم وجود علاقة بين هجرة المسؤولين والأوضاع الاقتصادية، مؤكدا أن هذه الهجرة ليست قاصرة على المسؤولين وإنها ممتدة لتشمل حتى التخصصات المهنية الأخرى الذين يتقاضون مرتبات في الخارج تصل لـ(20) ضعف رواتبهم التي يتقاضونها في الداخل، وفي رده على سؤال الصحيفة حول انعدام المقارنة بين رواتب الوظائف للكفاءات والامتيازات الضخمة للذين يتقلدون مناصب دستورية وتنفيذية، قال هي مخصصات عادية وليس فيها ما يميزها مقارنة بالدخل العالي في الخارج لشخص يصرف على أسرة ممتدة، وعاد للقول قد تكون هذه المخصصات مريحة إبان فترة وجود الدستوري في المنصب لكن بعد الخروج من المنصب يجد هذا الشخص محاصرا بجملة من متطلبات الحياة يصعب عليه توفيرها أن لم يكن اغترب منذ بداية حياتهم.
أدوا رسالتهم
محمد الحسن الأمين يشير إلى أنه مع مجموعة من زملائه كانوا مغتربين في بداية حياتهم ما ساعدهم في توفير كثير من مطالب الحياة، وأكد أن دخلهم خارج الوظيفة العامة أفضل وأوسع وإن ذلك أمر طبيعي لشخص أمن حياته بالاغتراب قبل الوظيفة العامة، وأضاف لذلك تجد أغلب هؤلاء الإخوة المهاجرين من الدستوريين اتجهوا للاغتراب بعد أن ادوا رسالتهم وضريبتهم تجاه الوطن، وآن لهم أن يتفرقوا لهمهم الخاص في تلبية مطالب أسرهم وهمومهم الشخصية وهذا أمر طبيعي ليس فيه ما يثير أو يكون محل تساؤل خاصة وأن الاغتراب وزيادة الدخل أمر ليس جديدا لدى السودانيين وهي مسألة قديمة تعود لفترة السبعينيات من القرن الماضي بداية ظهور النهضة النفطية في الخليج العربي.
ليس استغناء
ورفض الأمين مقولة إن الإنقاذ بدأت تستغني عن الكوادر الإسلامية التي تم اسدعاؤها في بدايتها للمشاركة في تثبيت حكمها وقال هو شخصيا تم استدعاؤه مع مجموعة من الكوادر قبل الإنقاذ، لافتا إلى الجميع قد ادوا رسالتهم وليس استغناء كما يعتقد البعض وخاصة هناك وفرة في الكوادر التي يمكن تقوم بالعمل على أكمل وجه بعد أن ادى هؤلاء الإخوة دورهم على أكمل وجه وزيادة، وطبيعي أن يتفرقوا لشأنهم الخاص وليس استغناء خاصة وإن وثيقة إصلاح الدولة والحزب نصت على ألا يزيد وجود الشخص في المنصب أكثر من دورتين وبعدها يكون قد تم دوره وليس لازما أن يبقى في الداخل وله الحق ممارسة أي مهنة أخرى.
الخرطوم: الطيب محمد خير
صحيفة الصيحة