ما زلنا نتذكر قناة (النيل الأزرق) وهي في بداياتها تتلمس الخطى في الفضاء الفسيح، وكيف كانت تكتشف المواهب وتتيح لها الفرص حتى أصبحت القناة (قناة)، وأصبحت المواهب نجوماً وكواكب في سماء الإعلام السوداني، ثم بعد ذلك جاءت مرحلة الابتكار وجديد الأفكار في البرامج، فأصبحت بذلك هي القناة الأولى في السودان والأكثرمتابعة ومشاهدة، داخل وخارج البلاد، وبالتأكيد كل ذلك لم يكن من فراغ أو وليد صدفة أو ضربة حظ في زمن حزم فيه الحظ حقائبه ورحل عن عالمنا.
المهم أن نجاح (النيل الأزرق) عبر كل المراحل التي مرت بها قبل مرحلة (التشفير) وبعدها، كان نتاج إدارة رشيدة، حكيمة، ذات قرار وكلمة ماضية لا تعرف التراجع أو المراجعة، لأن كل مدير إدارة كان يعرف حدوده وحدود إدارته، وكان المدير العام هو المايسترو الذي بيده العصا السحرية التي كان يضرب بها على أرض القناة فتتفجر شلالات وينابيع من الإبداع على الشاشة، وكان (جنرالاً) يقود جيوشاً من المبدعين.
ترى هل هذا الواقع ما زال معاشاً بقناة الجماهير الأولى (النيل الأزرق)، أم هو مجرد حكايات نحكيها بالمناسبات، وهل ما زال المدير العام حسن فضل المولى هو ذلك المايسترو الذي بيده العصا، والجنرال الذي يقود ولا ينقاد، أم أن سياسات جديدة أصبحت هي التي تدار بها القناة؟
مناسبة الحديث والاستفهامات هذه، هو ما نتابعه من رحيل كوادر القناة إلى قنوات أخرى وبالأخص، إلى الشقيقة الصغرى للنيل الأزرق قناة (سودانية 24)، فهذا الرحيل لا بد وأن يلقي بظلال سالبة على القناة الكبرى رغم عبارات (التطمين) التي تقال هنا وهناك، لأننا كمشاهدين لا نعرف مصطلح (قناتين في قناة واحدة)، فلكل قناة شخصيتها الاعتبارية ولونيتها الخاصة ورسالتها المحددة، ولا يعنينا كثيراً حكاية (زيتنا في بيتنا) التي يتمشدق بها البعض من الذين يقولون إن من رحلوا عن قناة النيل الأزرق، ذهبوا إلى بيتهم، لأن الواقع والمنطق يقولان إن هناك قناتين مختلفتين لكل منهما ثوبها الخاص، كما أننا كمشاهدين لنا الحق في أن نشاهد أفكاراً ووجوهاً جديدة في قناتنا الجديدة التي تحمل اسم هويتنا، وكما نخاف على النيل الأزرق من الضياع، نخاف على قناتنا الجديدة أن تأتينا بوجوه مكررة وبلا جديد.
من حقنا أن ندعو للمحافظة على قناة الشعب، ومن حقنا أن نشاهد قناة جديدة نسعد بها ونفاخر أمام العالم.